بعد أن حكم المولى إسماعيل المغرب 55 عاما، متربعا على عرشه لا ينافسه فيه أحد، كان مصير أبنائه مثيرا للشفقة. سبعة منهم تناوبوا على العرش في أقل من 30 سنة، بعد أن انقلب عليهم جيش والدهم وأدخل البلاد في أزمة لم يسبق لها مثيل. عودة إلى ثلاثة عقود لا صوت كان يعلو فيها على صوت الفوضى والخراب.
يحكي محمد أكنسوس في كتابه «الجيش العرمرم» أن المولى إِسماعيل لما حضره الموت دعا وزيره أبا العباس اليحمدي، وقال له: إني في آخر يوم من أيام الدنيا، فأحببت أن تشير علي بمن أقلده هذا الأمر من ولدي لأنك أعرف بأحوالهم مني. أجاب الوزير اليحمدي: يا مولانا لقد كلفتني أمرا عظيما، وأنا أقول الحق. إنه لا ولد لك تقلده أمر المسلمين. كان لك ثلاثة، المولى مُحرز والمولى المامون والمولى محمد فقبضهم لله إِليه. فقال السلطان: «جزاك لله خيرا». وودعه وانصرف ولم يعهد لأحد.
فيما بعد، اختلفت المصادر التاريخية في مسألة عهد المولى إسماعيل بالخلافة لأحد من أبنائه. فمنهم من أنكر ذلك، كأكنسوس الذي ينقل روايته هنا عن المولى سليمان نفسه، ومنهم من يقول إنه عهد بها إلى ابنه أحمد الذهبي، ومنهم من يذكر أن جيش عبيد البخاري هم الذين بايعوا الذهبي بالخلافة وأشاعوا أن والده عهد له بها، حتى لا تتشوف نفوس إخوته لمنازعته في الأمر. وسواء عهد المولى إسماعيل لأحد من أبنائه بالخلافة أم لا، فإن ذلك لم يكن ليجنب أيا منهم فتنة هزت أركان المغرب طوال ثلاثين سنة، من 1727 إلى 1757م (1139هـ/1171هـ). خلال هذه العقود الثلاثة آلت أمور الحكم إلى قادة جيش البخاري، فاستبدوا بالدولة يولون هذا الأمير ويعزلون ذاك ويقتلون الآخر، حتى ترى الأمير يفر منهم إلى رؤوس الجبال أو محتميا بضريح المولى إدريس، بل يبيع ما في خزائن الدولة ليسترضيهم. لقد صار أبناء المولى إسماعيل أمام قادة هذا الجيش في حالة شديدة من الهوان، جعلت المؤرخين يشبهونهم بأَولاد المعتصم بن الرشيد العباسي مع الترك في القرن الثالث الهجري، حتى أنهم عزلوا المولى عبد لله بن إسماعيل ست مرات قبل أن يعقدوا له بيعته السابعة التي مات فيها.
خالد الغالي
تتمة المقال تجدونها في العدد 4 من مجلتكم «زمان»