لم يتردد محمد واعزيز، كبير قبيلة آيت ادراسن، في إعلانه أنه يفضل الموت إلى جانب أفراد قبيلته على أن يفلت بجلده لوحده كما خيره بذلك مولاي عبد الله، أحد أبناء المولى إسماعيل. واعزيز تحدى السلطان وقدم مرافعة بليغة وجريئة مفضلا الاستشهاد على النجاة، ولم يعد إلى الديار إلا وفرسانه معه أحياء.
في مشهد غير مألوف يعود إلى سنة 1168هـ/1754م، حيث لبست نساء القبيلة ثوب الحداد، ومضين واجفات شاردات لوداع الزعيم في سابقة كانت الأولى لهن في مرافقة الموكب الجنائزي الرهيب، آخذات في البحث في قاموسهن عن معاني جميلة للرثاء، فتعالت حناجرهن الصداحة تندب حظهن التعيس، وتبكي مصيرهن ومصير أبنائهن الذي دخل عتمة المجهول بعد فقدان الزعيم الذي لم يكن سوى محمد واعزيز كبير آيت ادراسن، ووازعها الذي كانت تقف عند إشارته، وتجرى أمورها على مقتضى إرادته.
في الجانب الغربي من القبيلة لدى بني مالك وسفيان، بدا المشهد مألوفا، حيث نُصبت الخيام، وانطلقت الأفراح والحفلات، وزينت النساء بأحلى لباسهن، وصرن يرقصن على نغمات الناي، تغمرهن نشوة تحقيق الآمال التي عطلت بعد حين من الدهر، مستبشرات بالخبر السار الذي زف إليهم بوفاة زعيم آيت ادراسن، مرددين لهتافات وأهازيج صدحت بها حناجرهن حتى أسدل الليل خيوطه على القبيلة، ضاربين العزم على تجديد الموعد في الصباح.
لم يكن هذا التناقض بين توجهات القبيلتين في اختيار أسلوب وداع محمد واعزيز (فرح/حزن) إلا دليلا على قوة الشخصية المتوفاة، فالفرح بالموت من قبل الجوار كان دليلا على ما ولدته اختياراته من مركب نقص لديهم، أما الحزن والحداد فكانا دليلين على مواقفه المبدئية الثابتة التي جرت فصولها في الصراع على السلطة بمغرب الفترة التي أعقبت وفاة السلطان المولى إسماعيل.
عبد الرزاق لكريط
تتمة المقال تجدونها في العدد 13 من مجلتكم «زمان»