حل الأخوان طارو بالمغرب، عام 1917 بدعوة من صديقهما ليوطي، لتأليف كتاب واحد، غير أن المتوجين بجائزة الكونغور، عام 1905، استحليا المقام وتوجاه بتأليف ثلاثة كتب عن ثلاث مدن مغربية.
استطاع الأخوان طارو، عبر تأليفهما ثلاثية مغربية، أن يقدما مادة وصفية وإثنوغرافية وتاريخية غزيرة حول المدينة المغربية ذات الطابع المخزني العتيق، هي الرباط ومراكش وفاس، متبعين نفس الطريقة التي سارا عليها في تأليف معظم الكتب الستين التي كرساها لمختلف بقاع العالم التي زاراها وأقاما فيها لبعض الوقت بغرض الكتابة عنها.
ولد الأخوان طارو بسان جوليان التي تقع في ضاحية المدينة الفرنسية الصناعية ليموزان (جون في سنة 1874، وجيروم بعده سنة 1877) لوالد يعمل موثقا هو هنري طارو ولأم ربة بيت. بعد أن توفي عنها زوجها سترحل السيدة طارو صحبة أبنائها للعيش في بلدة أنكوليم، مسقط رأسها ومقر إقامة والدها، حيث ستلحقهما بثانوية المدينة لمتابعة دراستهما بها. وبعد سنوات قليلة، غادر جيروم للدراسة في باريس ويتخرج بتفوق من مدرستها العليا، ثم سيلحق به هناك أخوه جون لدراسة الاقتصاد الذي لم يوفق فيه فيتركه غير نادم ليتبع خطوات أخيه في دراسة الأدب. نجح جيروم في الحصول من جامعة باريس على تعيينه كأستاذ للغة الفرنسية في جامعة بودابست حيث سيمكث هناك أربع سنوات سيتاح له خلالها أن يتعرف على بلدان شرق أوروبا ومنطقة البلقان، ويدعو بالمناسبة أخاه جون لمقاسمته تجربة الاغتراب واستلهامه أدبيا. وهناك لم يمر وقت طويل حتى كانا قد قررا الانخراط في عملية التأليف المشترك بإصدار أول كتاب لهما سنة 1905 هو «دينغلي: الكاتب الكبير»، الذي سيكون من حظهما أنهما سينالان عنه جائزة الغونكور لسنة 1906.
ربما كان من المفيد التذكير بأنهما، بعد أن تلقيا في طفولتهما تربية مسيحية صارمة، سيقعان في مستهل شبابهما تحت التأثير الكاسح للزعيم الاشتراكي الفرنسي شارل بيغي الذي سيرشدهما إلى أدب أناطول فرانس ونضال روزا لكسومبورغ.
كما أنهما سيعيشان تجربة وجودية مريرة خلال الحرب العالمية الأولى عندما سيطوح بهما الواجب الوطني بعيدا إلى الجبهة كمجندين ضمن حرس الحدود لمدة ثلاث سنوات. كان الأخوان طارو صديقين حميمين للجنرال ليوطي منذ أيام الدراسة، وذلك ما يجعل من المرجح أن ليوطي هو الذي دعاهما إلى زيارة المغرب سنة 1917، بعد أن أديا واجبهما في الحرب، وأشار عليهما بتأليف كتابات حول هذا البلد الذي كان يمثل الرجل الفرنسي الأول فيه. ولأمر ما، ستطول إقامتهما في المغرب لسنوات تمتد بين 1917 و1922، وهي بالمناسبة أزهى فترات ليوطي في حقبة الحماية.
حسن بحراوي
تتمة المقال في العدد 8 من «زمان»