كان الطبيب بن بوعزة أحد مؤسسي الاتحاد المغربي للشغل سنة 1955، قبل أن يطاح به سريعا على أيدي رجال السياسة داخل النقابة. في الـثانية والتسعين من عمره يظل بن بوعزة ، الذي وافته المنية يوم 19 يناير 2015، أحد الشهود الكبار على تاريخ المغرب الراهن.
لم يعد الطيب بن بوعزة إلى المغرب إلا في السنوات الأخيرة، إذ كان يعيش في الخارج منذ 1959. كان الرجل شاهدا رئيسيا على ميلاد الحركة النقابية، بل أحد الشخصيات المركزية التي كانت وراء ميلاد الاتحاد المغربي للشغل، أول مركزية نقابية مغربية. رغم عامل السن، كان بن بوعزة، وهو يتحدث لـ«زمان»، ما يزال محتفظا بحسه المتقد كمناضل ملتزم بالدفاع عن العمال.
لذا، فمنذ فجر الأربعينات، كان وجه هذا «المشاكس» القادم من جرادة، معروفا في سجلات الحماية. وضع بن بوعزة نشاطه النقابي، أولا، في خدمة عمال المناجم بجرادة، وكان يدفعهم مرارا إلى التعبئة. أرق نشاطه السلطات المحلية، فقررت منعه من الإقامة في المدينة منذ عام 1948، ثم من الجهة الشرقية بكاملها. بيد أنها كانت تحتاج إلى أكثر من ذلك لإسكات بن بوعزة الذي شد الرحال نحو الدار البيضاء، حيث قدر أن صوته سيكون مسموعا أكثر. في العاصمة الاقتصادية، انخرط في الهيئات النقابية الفرنسية، إذ لم يكن مسموحا بتأسيس نقابات مغربية. وصار، بالاشتراك مع أندري لوروا، رئيسا للاتحاد العام للنقابات المتحدة بالمغرب.
وعلى عكس ما هو شائع في الكتابات المغربية، لم يكن بن بوعزة شيوعيا، رغم أنه كان مضطرا للعمل مع الشيوعيين الفرنسيين الذين كانوا مهيمنين على جميع مفاصل الحركة النقابية.
مرة أخرى، تنحني كتابة التاريخ أمام رواية المنتصرين، وهم في حالة بن بوعزة، رجال السياسة من أطر حزب الاستقلال. هؤلاء، خاض الرجل ضدهم صراعا شرسا داخل النقابة، وهم الساعون إلى الحصول على مواقع مريحة في تشكيلة المغرب المستقل.
سامي لقمهري