ناوشت أفراد من قبيلة أنجرة المحاذية لمدينة سبتة، يوم 10 غشت 1859، أفراد الحامية الإسبانية احتجاجا على بناء مركزهم الحدودي بالحجر، بعدما كان مبنيا بالخشب فقط. ثم تطورت الأمور حين عمد بعض أفراد القبيلة إلى هدم المركز، وتمزيق الراية الإسبانية. ردت مدريد برسالة شديدة اللهجة، مطالبة برد الاعتبار لـ”الشرف الإسباني”، من خلال إعادة رفع العلم وقيام جنود السلطان بتحيته، ومعاقبة المعتدين في ميدان سبتة أمام الملأ، ثم إصدار تصريح مخزني رسمي يمنح للسلطات الإسبانية ببناء التحصينات التي تراها ضرورية لحفظ أمن وسلامة “السبتيين”.
كانت أمام المولى عبد الرحمان بن هشام مهلة عشرة أيام للرد على تلك المطالب. لكن الأجل المحتوم لم يمهله، وحل محله نجله محمد بن عبد الرحمان الذي تسلم العرش مشتعلا. وافق السلطان الجديد على المطلبين الأولين، ورفض الثالث. غير أن رأت إسبانيا أن وضع المغرب لا يسمح له بالرفض. فدقَّت، يوم 24 أكتوبر 1859، طبول ما عُرِفت بحرب تطوان، أو “الحرب الإسبانية-المغربية ” أو “الحرب الإفريقية”، كما يذكرها الأرشيف الإسباني.
كان وضع المغرب، الذي لم يتمكن بعد من لملمة جراح حرب إيسلي أمام الفرنسيين، لا يسمح له، فعلا، بمواجهة قوة أخرى، حتى وإن لم تكن من وزن فرنسا. فقد خرج مرة أخرى بهزيمة قاسية، انتهت باحتلال تطوان، التي لم يغادرها الإسبان إلا يوم 2 ماي 1862، بعد فرضهم اتفاقية صلح قاسية. “وواقعة تطوان هذه هي التي أزالت حجاب الهيبة عن بلاد المغرب، واستطال النصارى، بها وانكسر المسلمون انكسارا لم يعهد لهم مثله، وكثرت الحمايات، ونشأ عن ذلك ضرر كبير”، يقول أحمد بن خالد الناصري في الجزء الثامن من الاستقصا.
يتمثل الضرر الكبير الناشئ، الذي يقصده الناصري، في تلك الشروط القاسية التي فرضها الإسبان “المنتصرون” مقابل الانسحاب من تطوان، حددوها في 100 مليون بسيطة كغرامة، والتنازل عن الأراضي المحيطة بستبة، وضمان مرفأ لهم في الجنوب المغربي. تلك الشروط هي ما رسمت جزءا من تاريخ المغرب بعد بضعة عقود، فقط، من “واقعة تطوان”.
أي نتيجة
View All Result