يجسد محمد التوزاني أحد النماذج المغربية الذي لم يتورع في تقديم خدماته للحماية الفرنسية مقابل تحقيق ثورة طائلة، حتى وإن كان ذلك على حساب إخوانه في الدم والدين والوطن.
ظل اسم الحاج محمد التوزاني راسخا في ذاكرة سكان الدار البيضاء، من خلال الدار التي كان يملكها في طريق مديونة، وما كانت تشتهر به من كبر مساحتها وعظمة بنايتها وغنى عرصتها. وحتى الآن، وعلى الرغم من اجتثاثها بفعل تمدد العمران الكاسح، فما يزال اسمها حاضرا في عين المكان، من خلال «حي دار التوزاني» الذي حل محلها.
كانت إدارة ميناء الدارالبيضاء موكولة، في البداية، إلى مديرية الأشغال العمومية التابعة للإقامة العامة بالرباط، قبل أن تفوض إلى شركة فرنسية، تأسست سنة 1915، وهي شركة «لامانوطانسيون ماروكان» التي أوكلت مهمة تشغيل المغاربة إلى التوزاني.
ولد التوزاني في طنجة سنة 1896، في أسرة ريفية مهاجرة من قبيلة آيت توزين المجاورة لقبيلة بني ورياغل. وكان أبوه من موظفي السلطان مولاي الحسن في نهاية القرن 19، ثم من موظفي منطقة طنجة أثناء خضوعها للإدارة الدولية، وهو ما يفسر ما حصَّلهُ من تعليم، أهله لمتابعة دراسته العليا في «كوليج رينيو»، فتمكن من اللغة الفرنسية بعد العربية. ولذلك، سهل عليه الالتحاق بالمؤسسة الإدارية الناشئة بعد غزو الدار البيضاء سنة 1907، حيث عينه الجنرال داماد ترجمانا – محررا بمقر الإقامة، وهو المنصب نفسه الذي شغله في بعثة القرض المغربي بطنجة، إلى جوار الجنرال موانيي، ثم أسهم في اللجنة المكلفة بتنظيم الموانئ سنة 1911، وانتقل إلى مصلحة الشحن والإفراغ التي وضعت تحت إشراف مديرية الأشغال العمومية. ولذلك، حصل على تنويه السلطات الاستعمارية، حيث وشح بوسام الشرف من درجة فارس سنة 1916، ثم سلمه الجنرال ليوطي، قبل مغادرته المغرب سنة 1925، رسالة يهنئه فيها على «الخدمات التي أسداها لسلطات الحماية».
رئيس مغاربة المرسى
تجمع شهادات العديد من الشيوخ، الذين عملوا في الميناء، على أن التوزاني كان مستبدا، وأطلق عليه العمال العديد من الألقاب منها «إمبراطور المرسى» و«ديكتاتور الميناء» و«ملك المرسى». ولربما ظل التوزاني في تلك المصلحة، إلى أن رقته الشركة إلى منصب رئيس قسم عمالها المغاربة في تاريخ غير مضبوط، قد يكون سنة 1940 أو سنة 1943، هذه الترقية التي عزتها صحافة اليسار إلى تفانيه في الوشاية بزملائه.
وفيما لا تتوفر معلومات عن تاريخ إحداث ذلك المنصب، يمكن فهمه بربطه بالانتعاشة الكبرى التي عرفها اقتصاد «المغرب الفرنسي»، بسبب هجرة رؤوس الأموال من أوربا المدمرة والباحثة عن فرص الإثراء السريع، وبسبب الاستثمارات الأمريكية الضخمة التي تم ضخها في المغرب في إطار مشروع مارشال. كما يمكن فهمه باستحضار الهجرة القوية من البوادي إلى المدن. فكان من الطبيعي أن ينعكس نمو الرواج على تزايد الحاجة إلى التجهيزات التقنية والأطر الفنية واليد العاملة التي بدأت تتكدس أمام باب المرسى في كل صباح.
نجيب تقي
تتمة المقال تجدونها في العدد 17 من مجلتكم «زمان»