تبنى المغاربة إسلاما يطابق النص مع الواقع المجتمعي، ويتلاءم مع الشخصية المغربية الرافضة لأي تبعية سواء في الدين أو في سياسة التدبير.
تميزت مصادر تاريخ الغرب الإسلامي في فترة الفتوحات الإسلامية بالاختلاف والتنوع، ولكن تبقى المصادر الأولى لتاريخ شمال إفريقيا في العصر الإسلامي الأول بالأساس مشرقية، وبعدها أتت المصادر المغربية- الأندلسية رغم تأخرها وكذلك مصادر الأوروبيين المستشرقين. وقد أثر هذا الاختلاف على مضامين المادة التاريخية (التاريخ)، كما أثرت التيارات الفكرية والمذهبية على اتجاه الكتابة التاريخية (التأريخ)، وبذلك نجد أسماء مختلفة لشمال إفريقيا أو«ليبيا» أو «أفريكا»، وفي القرون الوسطى أُطلقت عليها عدة تسميات: الدولة البربرية، إفريقيا الصغرى، بلاد الأطلس، بلاد الغرب، جزيرة المغرب، بلاد البربر….
لقد تميز شمال إفريقيا بتوالي عدة حضارات عليها من الفينيقيين والقرطاجيين ثم الرومان، وبعد الفترة الوندالية جاء البيزنطيون وبعدهم الفتوحات الإسلامية. ولكن ما ميزه هو مقاومة «الأمازيغ» لكل الإمبراطوريات التي كانت تحاول استعمار بلاد البربر أو التي احتلته، حيث اتسمت برفضهم الدائم الامتثال للسلطة المركزية وتمسكهم بالاستقلال الذاتي ومن ثمة بثقافة وعقلية متميزتين، كما عرفت لغتهم صمودا أمام كل اللغات المستعمِرة باستثناء الفتوحات الإسلامية حيث تعرض السكان للتعريب.
مقاومة الأمازيغ للفتوحات
أحدث دخول الإسلام إلى بلاد المغرب/المغارب تحولات كبيرة في حياة «الأمازيغ»، لكن تَطَلَّب ذلك وقتا كثيرا إذا ما قورنت بالفتوحات الإسلامية في الشرق الأوسط، و«تختلف وضعية المغرب عن وضعية سوريا والعراق حيث بدأت حركة التعريب البشري واللغوي مائتي سنة على أقل تقدير قبل الفتح الإسلامي، تطلب إسلام البربر وتعريبهم زمنا طويلا»، وفق ما أورده عبد لله العروي في كتابه «مجمل تاريخ المغرب»، بل «كان قبولهم للإسلام نتيجة لتحالف سياسي أو قبلي أكثر من شيء آخر»، كما أشار علي صدقي أزايكو في كتابه «تاريخ المغرب أو التأويلات الممكنة». فقد كان إسلامهم وتعريبهم سطحيا وليس الفتح بمحتواه الحقيقي و«يعني الفتح بالأساس اعتراف السكان بسيادة دولة الخلافة ولا يعني تفهما عميقا لمقاصد الدين الإسلامي ولا اتخاذ لغة الضاد وسيلة للتعامل اليومي»، يوضح عبد لله العروي.
لقد اتسمت الفتوحات بعنف المواجهة بين الأطراف المتصارعة وكذلك طول المدة الزمنية التي استغرقتها، ويفسر ذلك رفض سكان الغرب الإسلامي الامتثال لِـ«الإسلام المشرقي» في شعائره وممارسته والذي اتسم بتفشي الروح العصبية والعنصرية القبلية، وخير دليل هو تأخر خضوع شمال إفريقيا بسب سياسة عقبة بن نافع المليئة بالحماس والتشدد للعنصر العربي، لا أدل على ذلك مما تقدم به عبد الله العروي حينما كتب بأن «لا ننسى أن الأمويين جعلوا من الأنفة والحمية العربية عماد حكمهم».
إدريس آيتلحو
تتمة المقال تجدونها في العدد 18 من مجلتكم «زمان»