كيف نشأ الفكر العقلاني وظهرت الفلسفة في الغرب الإسلامي؟ وكيف تعايش الفكر الفلسفي مع الإكراهات السياسية والدينية؟ وما مدى اختلاف فلسفة المغرب عن فلسفة المشرق؟ ثم ما مدى حاجتنا اليوم إلى عقلانية الأندلس التي أفادت أوربا في عصورها الغابرة؟ يجيب عن هذه الأسئلة وغيرها الباحثان في تاريخ الفكر الإسلامي من جامعة لندن :الأستاذ أيمن شحادة، وزميلته الباحثة كريستينا سيرامي.
بشكل عام ومقتضب، هل يمكن أن نحدد البدايات الأولى لظهور الفلسفة بالغرب الإسلامي) الأندلس والمغرب) وتحديد تاريخ دقيق لها؟
أيمن شحادة: لا نعلم بدقة كيفية نشوء الفلسفة في الأندلس ولا أول الفلاسفة هناك، وذلك لشح المعلومات التي وصلتنا عن الفترة المبكرة وانعدام المصادر الفلسفية الأولية منها .وعلى كل حال، فإن ظهور الفلسفة على الأرجح كان تدريجيا. لكن أول من وصلتنا كتبه من المشتغلين بالفلسفة في الأندلس هو ابن مسرة القرطبي المتوفى سنة 319 للهجرة 931 ميلادية .وقد وصلنا مما صنّفه كتابان اكتشفا في السبعينات، يظهر فيهما أثر جلي للفلسفة الأفلاطونية المحدثة ولنمط من التصوف. وهذا النوع من الفلسفة نراه في أماكن أخرى من العالم الإسلامي في ذلك الوقت، وخصوصا بين الإسماعيلية، وإن ليس ثمة ما يدل على أن ابن مسرة كان من أتباع هذا المذهب .وتشير بعض المصادر إلى استمرار فكر ابن مسرة بين أتباع له وقمع الخلفاء الأمويين في قرطبة لهم، وذلك غالب الأمر مخافة من ارتباطهم بالفاطميين الإسماعيلية. وسواء كان لفكر ابن مسرة تحديدا أثرٌ على متأخريه أم لا، فإننا نشهد في القرون التالية في الأندلس أنماطا مشابهة من الفكر الصوفي المتأثر بالفلسفة الأفلاطونية المحدثة، كما في فكر محيي الدين بن العربي المتوفى سنة 638 للهجرة 1240 ميلادية.
في نظرك، كيف تأثرت النظريات الفلسفية في الأندلس بتقلب الأوضاع السياسية هناك؟
كريستينا سيرامي: من الواضح أن الوضع السياسي والتاريخي اضطلع بدور أساس في حركة التطور العلمي والفلسفي بالأندلس بين القرنين التاسع والثاني عشر. ويشكل ظهور الخلافة الأموية ولادة لحركة اجتماعية وثقافية تهدف إلى جعل الأندلس مركزا سياسيا وثقافيا جديدا للإمبراطورية الإسلامية، وبشكل أعم للحضارات في البحر الأبيض المتوسط. وقد تنافست هذه الخلافة مع كل من ممالك إسبانيا المسيحية والقوى الشرقية، لا سيما العباسيين والفاطميين. ونحن مدينون لهذه التنافسية بينهم، في بناء مكتبة قرطبة العظيمة خلال القرن العاشر ومكتبة طليطلة، وبشكل أعم، في ترسيخ مشروع لنشر العلم والفكر العقلاني بالأندلس. وخلال مواجهة ما سمي بحروب “الاسترداد“ للملوك المسيحيين، في القرن الثاني عشر، أعاد الموحدون تلك الديناميكية والتنافسية، وتعززت النظريات العقلانية، وفسحوا المجال للحوار بين فلسفة التراث اليوناني وعلم الكلام الإسلامي. لذا، يمكننا القول إن الفكر العقلاني للأندلس تم التعرف عليه وبلورته في ظل الاحتكاك والمواجهة مع القوى والحضارات المجاورة، لكنه أيضا مدين بشكل كبير للتعايش الذي كان بين الأديان الثلاثة.
حاورهما غسان الكشوري
تتمة الحوار تجدونها في العدد 105 من مجلتكم «زمان»