أسهم ابن خلدون في تقلب أوضاع سلاطين المغرب المرينيين وفي أحوال الغرب الإسلامي من أقصاه إلى أدناه. ووفق مسيرته السياسة، فإنه كان يميل حيث مالت ريح الحكم .فما قصة نكباته في المغرب ودسائسه؟
تعد سيرة وحياة ابن خلدون السياسية، إلى جانب مكانته العلمية، حياة غنية بالأحداث التي يجوز نعتها بالمشوقة، والتي تملأ تفاصيلها كتبا ومجلدات، وتصلح كذلك لتصير أفلاما سينمائية تقدم لحاضر الشعوب دروسا وعبرا حول مصائر البلاد والعباد. لم يكن عبد الرحمان ابن خلدون رجل علم وفقه وعلاّمة زمانه فحسب، بل كان رجل سياسة بامتياز. فقد قضى جزءا كبيرا من حياته، بل وأهمه، في بلاد المغرب والأندلس؛ يخدم سلاطين وحكام هذه البلاد، فاعتلى أرفع المناصب وخبر قصورهم، وذاق أيضا ويلات سجونهم ومنافيهم. كما أسهم في صعود حكام وفي أفول آخرين، وهو الخبير بأحوال القبائل وطبيعة الدول. خلال منتصف القرن الرابع عشر، عاشت الدولة المرينية أشد صراعاتها الداخلية والخارجية، فحال هذه الدولة قام على أنقاض حروب اشتركت فيها قبائل ما بين المغربين: الأقصى والأدنى، وكذلك الأندلسيون، فظلت دولة بني مرين مرهونة إما بجيرانها من جهة المشرق: كبني عبد الواد بالمغرب الأوسط والحفصيين بإفريقية، وإما جيرانها من جهة الشمال: كبني الأحمر بغرناطة. وإلى جانب العلاقات السياسية بين تونس، مسقط رأس ابن خلدون، وبين المغرب، فقد ارتبط علماء القيروان والقرويين بشكل وثيق، نتج عنه ارتحال وانتقال معظمهم بين البلدين، واستجلاب السلاطين لهم، وتنصيبهم داخل القصور أو في تدبير شؤون البلد. فأصاب ابن خلدون مما أصاب هؤلاء، لولا أنه نزع إلى مراتب أرفع، بله تدبير الدسائس والمؤامرات، كما سنرى. بصعود السلطان أبي عنان المريني إلى سدة الحكم، قام بوأد قوة بني عبد الواد ودولتهم التي سميت بالدولة الزيانية بالمغرب الأوسط .ثم سعى بعدها إلى إعادة الحكم المريني وفرضه على الحفصيين بتونس، الذين كانوا أول من خلعوا عنهم حكم الموحدين من قبل واستقلوا بدولتهم .فقد كان السلطان أبو عنان يعتبر المغرب الأوسط وإفريقية مغربيتين، ويجب أن تظلا تابعتين لحكم فاس، فأعلن التعبئة العسكرية وعزمه التحرك لاسترجاعهما سنة 1352م، وهي مرحلة بزوغ نجم ابن خلدون.
غسان الكشوري
تتمة المقال تجدونها في العدد 104 من مجلتكم «زمان»