مزج ابن عامر بين الأدب ومعرفته بالتنظيم الإداري ودهائه السياسي ليستبد بالحكم لفترة في الأندلس، غير أنه لم يكن يعلم أنه يحمل بذور فناء دولة.
في واحد من النصوص، التي كاد يشملها النسيان ولربما الفناء، أنقذها المؤرخ المغربي عبد لله العروي، نص للفقيه محمد للحجوي، وجده ملقى في رفوف المكتبة الوطنية في طائلة الإهمال. يعود النص إلى أزمة ما بعد صدور ما يسمى بالظهير بالبربري. يجري هذا الفقيه المتنور نقدا لنظام الحماية. كان يرى فيه ترياقا من لعنة داء أبدي، لمنظومة ابن عامر الحاجب المتسلط. ولكن الحماية أخلفت الوعد، حسب الفقيه الحجوي، وتعاملت مع أشكال الاستبداد والخسة الأخلاقية والجشع المالي لخدام المخزن. ابن عامر، في منظور الحجوي، ليس شخصا، وإنما منظومة، شأنها شأن سيزار دو بورجيا
César de Borgia في أمير ماكيافيلي. وُجد ابن عامر، تاريخيا، ليصبح نموذجا قائما. الفرق ما بين سيزار دو بورجيا، رجل ماكيافيلي الأمثل، أنه النموذج الذي ينبغي أن يُحتذى، أما ابن عامر فهو بالنسبة للحجوي المثال الذي يتوجب القطع معه.
توظيف الحيلة
شخصية فريدة، هي شخصية ابن عامر، وظفت الحيلة والقوة لبلوغ مآربها. مزجت ما بين المعرفة الأدبية والتنظيم الإداري والدهاء السياسي والبطش. كان ابن عامر المرحلة الفاصلة ما بين خلافة بني أمية، التي انتهت عمليا مع الخليفة الحَكم بن عبد الرحمان، وبين ملوك الطوائف (القرن العاشر الميلادي). تقلد ابن عامر مناصب مهمة في ظل الخليفة. استقدمه الحاجب جعفر كي يكون كاتبا لصُبح زوج الخليفة، وانتقل ما بين قضاء المواريث باشبيلية والشرطة والقيادة العسكرية في المغرب ضد الثائر المغربي ذي المرجعية الشيعية الحسن بن كنون.
حسن أوريد