تحاط الأم أو هذا الكائن الذي يمنح الحياة، عند المغاربة، بهالة مقدسة، لكنها تظل كائنا غائبا أو مغيبا في المجال العيني، كما كرست ذلك الثقافة المجتمعية.
«داويني آدويني، وا المُّيمَة داويني، وانت اللي عارفة مابيا». هكذا تفتتح الشيخة فاطنة بنت الحسين أغنيتها التي تحمل عنوان «مي لحبيبة داويني» .أصوات مجروحة تترجم معاناة ما سوف تفصح عنها كلمات الأغنية تباعا. يرافق تلك الأصوات النسوية، التي تردد لازمة الأغنية، أنينُ كَمَانٍ يترجم الآلام التي لا يمكن وصفها بالكلمات. ثم تسترسل الأغنية: «راني مَجْروحْ بالكُمِّيَّة (الخنجر) وعقيلي معاك نْتِيَّا وا المُّيمَة داويني (أنتظر أن تداويني يا أماه). راني مجروح فباب الدار، حبك كواني (اكتويت بحبك) وما سقت خبار (لم أفطن لذلك). داويني بالليمونة (بالبرتقالة) واللي دْوَاوْ ما همونا (لن نهتم بالقيل والقال). داويني بالتفاحة وعليك ما نشد الراحة». لا تغني النساء لوحدهن عن الأم. هناك عدد كبير من الرجال أيضا يغنون عن الأم، بل إن أغنية فاطنة بنت الحسين هاته غناها عدد كبير من المغنيين الذكور وبالحرقة واللوعة نفسيهما الموجودتين عند الشيخة الكبيرة.
ليس فن العيطة الوحيد التي يتغنى بهذه الطريقة عن الأم، بل جميع أصناف الغناء تعرضت لموضوع الأم، من الغناء العصري إلى الملحون إلى الألوان الغنائية المعاصرة. ليس هناك أغاني عن الأب. حضور الأم في الأغاني جميعها يُقَدَّمُ داخل أنغام وكلمات كلها أنين وآلام تتحدث عن الفراق والغربة ولوعة الشوق .هذا الارتباط بالأم، والذي يكاد يبؤها مكانة القدسية، يبقى جديرا بالاهتمام في المجتمع المغربي، إذا لا يحظى الأب بهذه المكانة الخاصة التي يضع فيها المجتمع المغربي الأم.
موليم العروسي
تتمة المقال تجدونها في العدد 112 من مجلتكم «زمان»