لا يخلو كل شهر رمضان من جدل متكرر حول الإفطار العلني في الفضاءات العمومية، هذه المرة بلغ الأمر إلى توقيف عشرات الشباب، فعاد النقاش حول تقديس هذا الشهر وحقوق الناس فيه.
قبل أيام من انقضاء شهر رمضان، تناقلت وسائل إعلام محلية عملية مداهمة مقهى بمدينة الدار البيضاء يقدم وجبات لشباب وشابات من أعمار متفاوتة، ويسمح لهم بالجلوس والأكل والتدخين بشكل عادي، كما تم تصوير عملية اعتقال “المتورطين” واقتيادهم في سيارات الأمن من أجل تسجيل محاضر لهم ومتابعتهم بعد ذلك.
حادثة التصوير هاته والنقل المباشر أثارا موجة من النقاش، بسبب التجمهر أمام عملية إخراجهم، ومحاولات التركيز على وجوههم، بالإضافة إلى تعليقات الحاضرين والمراسلين المرافقة للبث الحي، بحيث أيدوا عملية الاعتقال، وأصدروا أحكاما جاهزة بكون المفطرين مخالفين للقانون والشرائع الدينية والعادات المغربية.. وما إلى ذلك من الأحكام.
وقد تساءل المتابعون للشأن العام عن سبب إصدار أحكام جاهزة، وتلك النظرة التي ينظر بها في المغرب إلى مفطري رمضان؛ هل هو الحرص على احترام القانون؟ أم هو تقديسهم لرمضان؟ الجواب غالبا ما يميل إلى أن المغاربة يقدسون طقوس رمضان بشكل قد لا يجد له مثيلا في باقي البلدان المسلمة الأخرى، ولا ينظرون إلى عملية الإفطار في عز النهار “حقا طبيعيا“، كما يقول حقوقيون.
فإذا نظرنا إلى النص التشريعي في القانون الجنائي، وإن كان فصله 222 توعد «كل من عُرف باعتناقه الدين الإسلامي، وتجاهر بالإفطار في نهار رمضان، في مكان عمومي، دون عذر شرعي»، بعقوبة حبسية وغرامة مالية، إلا أن معظم المغاربة لا يردعهم التشريع القانوني، بل يردعون أنفسهم من تلقاء أنفسهم، والدليل أنه لو وجد لأحد عذر شرعي (كالمسافر أو المريض)، تجده مصرا على الصيام ويجهد نفسه لذلك، وأمثال هؤلاء كثير.
هذا التنصيص القانوني الزجري يرجح أنه يعود إلى سنوات الحماية؛ حين فرضت الإدارة الفرنسية قوانين تمنع فيها الأجانب من الإفطار جهرا أمام المغاربة. وقبل أن ينص المغرب المستقل أول مدونة تشريعية جنائية في سنوات الستينات، كان المغاربة يتعايشون مع مشاهد الإفطار العلني بينهم، ولا يشكل حرجا لهم.
من جهتهم، يستند المدافعون والمطالبون بإلغاء تجريم الإفطار العلني بأن النص الديني نفسه لم يفرض عقوبات بخصوصه .إذ يقول أهل الاختصاص إنه لا يوجد حكم شرعي يعاقب من أفطر في رمضان، بل يكتفي النص الديني بالكفارة. وفي المقابل، يدافع آخرون بأن المفطر يمس وحدة المغاربة، ويخلخل تشبثهم بالدين الإسلامي وبعادات رمضان التي ورثوها عن آبائهم. هذه الآراء المتضاربة هي التي ما تزال تثير الجدل كل سنة وتتكرر كلما حل شهر رمضان.
يشار إلى أن مجلة “زمان“ سبق لها أن أفردت عددا خاصا حول تقديس المغاربة لشهر رمضان عبر تاريخهم والجدل حوله، وذلك في العدد 55 من سنة .2018