تثير دوما شخصية محمد الحجوي الثعالبي كثيرا من الجدل، فمن جهة كان الرجل، باعتراف الجميع، مصلحا وطنيا وأحد رواد النهضة العقلانية التي عرفها المغرب مطلع القرن العشرين، لكنه عند آخرين رجلا مواليا للاحتلال، وخادما من خدام نظام الحماية الفرنسية، ولهذا اختلفت حوله الآراء وتضاربت حوله المواقف.
ينسب اينسب الحجوي إلى قبيلة حجاوة التي توجد بالغرب قرب بني حسن، لكنه ولد بفاس سنة ،1874 بدار جده بحي جرنيز قرب مرقد السلطان المولى إدريس الثاني، فنشأ وترعرع في حضن جدته التي كانت فقيهة معروفة، وقد حرصت على أن يشب حفيدها جامعا بين العلم والأخلاق، مغرما بالقراءة والتحصيل، ولذلك يقول عنها : «مرآة أخلاقها وأعمالها في الحقيقة أول مدرسة ثقفت عواطفي، ونفثت في أفكاري روح الدين والفضيلة، فلم أشعر إلا وأنا عاشق مغرم بالجد والنشاط، تارك لسفاسف الصبيان، متعود على حفظ الوقت».
وقد كان لهذه البيئة العلمية التي نشأ فيها دور كبير في تعلقه بالمعرفة، وحرصه الشديد على التعلم والاشتغال بالحفظ والفهم وتلقي مختلف أنواع العلوم، فبدأ حفظ القرآن بالكتاب منذ سن السابعة، وأتقن الكتابة والقراءة والتجويد والرسم والحساب والمبادئ الأولية للدين، قبل أن يلتحق بجامع القرويين، ويلازم كبار فقهاء الجامع في ذلك الوقت، منهم محمد بن التهامي الوزاني، وعبد لله الكامل الأمراني، وجفر بن إدريس الكتاني، ومحمد بن عبد السلام كنون، ومحمد بن قاسم القادري، وأحمد بن محمد الخياط، وأحمد الجيلاني الأمغاري. بعد تخرج الحجوي من جامع القرويين، اشتغل به مدرسا بعد أن أذن له بذلك شيوخه وأساتذته، وتعاطى التأليف والتجارة في أوقات الفراغ، ودرس بفاس والرباط ومراكش، ثم تقلب في عدد من الوظائف الإدارية والسياسية، فاشتغل وظيفا للعدالة بمكناس، ثم أمينا بديوانة وجدة على الحدود المغربية الجزائرية، ثم عضوا بالمجلس السياسي على عهد الدولة العزيزية، ثم حافظا لمخازن السلاح وأمينا ماليا على مؤن الجيوش النظامية وغير النظامية، ليعنيه السلطان بعد ذلك نائبا عنه في الحدود المغربية الجزائرية، ثم سفيرا ومندوبا عن السلطان بالجزائر.
محمد عبد الوهاب رفيقي
تتمة المقال تجدونها في العدد 136 من مجلتكم «زمان»