أولى السعديون اهتماما كبيرا لصناعة السكر، مكنتهم من تحقيق موارد مالية كبيرة إلى حد أن أحمد المنصور فكر في تحقيق حلمه المتمثل في الخلافة.
اعتبرت صناعة السكر في تاريخ المغرب الحديث من القضايا التي أسهمت بشكل كبير في تحديد طبيعة العلاقة بين المغرب ومحيطه الدولي بالحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط، حيث ضمنت له موقعا متميزا في السوق التجارية العالمية. لقد حاولت الدولة السعدية الحفاظ على هذه المكانة عن طريق الاحتكار، وتفويت الإنتاج لعدد من الوسطاء الأوربيين ولبعض اليهود، كإجراء منها لتطويره والاستفادة القصوى من عائداته على خزينتها. أخضع السعديون تجارة السكر لإجراءات صارمة، وحددوا الأنواع الخاصة منه بالتصدير، كما خصصوا له موازين معتمدة من الدولة، إضافة إلى وضع أسعار متفق عليها بمرسوم سلطاني. وقد تجمعت للأمراء السعديين من ذلك، وخاصة لأحمد المنصور الذهبي، ثروات طائلة، حيث كانت تعتبر من أهم مداخيل الدولة حددها بعض الباحثين في نسبة 33%. وتعددت وجهات تصدير السكر حيث كان جزء من المنتوج يصدر لإفريقيا جنوب الصحراء، في حين كان الجزء الأكبر يوجه نحو أوربا. كانت الثروات المالية الكبيرة الناتجة عن تجارة السكر من الأسباب التي جعلت الدولة تولي أهمية كبيرة لزراعة هذه المادة وصناعتها وتجارتها، فقد كانت لها قيمة اقتصادية مهمة، بحيث اعتبرت من أهم موارد الثروة والغنى، فلم تكن تنافسها أي مادة تجارية أخرى تصدر إلى الخارج في ذلك الزمان، لأن السعديين منعوا تصدير بعض المواد التي كانت لها قيمة كبيرة آنذاك، كالذهب وملح البارود إلى الخارج، مما جعل مادة السكر تتبوأ مكان الصدارة ضمن البضائع التي كان المغرب يتاجر بها مع الأجانب.
لما كان ثمن السكر مرتفعا جدا اقتصر استهلاكه على الفئات الميسورة من المجتمع. ولم ينحصر توظيفه على الاستهلاك الغذائي فقط، بل وظف كمادة لعلاج بعض الأمراض، مما زاد من الطلب عليه من الأوربيين وغيرهم، فكان ذلك حافزا للأشراف السعديين لبذل مجهودات أكثر لتلبية احتياجات السوق الدولية دون الالتفات للسوق الداخلية.
عبد المالك ناصري
تتمة المقال تجدونها في العدد 61 من مجلتكم «زمان»