يعيش العالم في الأيام الأخيرة على وقع صدمة إنسانية، وذلك جراء تدخل عناصر الشرطة الأمريكية في حق أحد المواطنين (يدعى جورج فلويد) من أصول إفريقية. هذه القضية، أي العنصرية ضد أصحاب البشرة السوداء تمتد جذورها لمئات السنين وعقود من الزمن. المغرب عرف نفس القضية، وربما ما نزال نعيشها بشكل فردي هنا وهناك. لكن ما هي أسباب العنصرية ضد السود، وما مظاهرها في تاريخ المغرب؟
خلال فترات تاريخية من المغرب بدا أن البعد العقدي أسهم، بشكل أو بآخر، في تشويه صورة الآخر. فقد كانت العقائد «تحدد الانتماءات الشعورية، وكانت الشعوب تنتج صورا مشوهة لبعضها بحسب الثقافات الدينية السائدة التي تركب صورا تطهيرية عن الذات، وصورا مستكرهة عن للآخر». و«طالما أنتجت، وما زالت، الأعراق والعقائد صورا استعلائية لنفسها وتخفيضية لغيرها، وفي الحالتين تقوم تلك الصورعلى إشباع الرغبات الثقافية، ففي مخيال المجموعات الثقافية-البشرية المعتصمة بذاتها ترتسم صورة مُرضية عن ذاتها، ومَرضية عن غيرها، وما دام الآخر موضوعا للتبخيس في مجتمعات القرون الوسطى، فلم يفلح أحد بصورة مطلقة في تعديل الصورة المقلوبة. الدونية سمة تُلصق بالآخر، وتخفض من شأنه، وقد تبينت لنا الأسباب التي وُضعت لذلك، وكانت المدونات التاريخية والجغرافية قد نهضت بمهمة التمثيل الدوني للأمم خارج دار الإسلام». على هذا الأساس، فإن الصور التي رسمها الجغرافيون والرحالة بأنفسهم عن الأفارقة السود أو نقلوها عن آخرين، صور «بالغة التشويه، حجزت الجنس الأسود وراء حركة التاريخ». وترشح تلك الصور بالانتقاص، وإهدار القيمة الإنسانية للزنوج، فهي تجعل منهم أقرب إلى الحيوانات منهم إلى البشر، ما دامت أنها نتيجة تباين المنظومات الأخلاقية والعقائدية والثقافية بين السود من جهة والجغرافيين من جهة أخرى. وقد تصلبت الأحكام التي صاغها الجغرافيون المغاربة المسلمون «وتشابكت، فأجرت تنميطا ثابتا لصورة الإفريقيين (…) في أعين المغاربة». واللافت للانتباه في هذا السياق تبنيها من قبل ابن بطوطة وهو الذي قضى ردحا من عمره في الرحلات، فـ«ملاحظاته وأحكامه الخاصة بالسود الإفريقيين ظلت في عمومها أسيرة النزعة العامة المميزة لعموم الخطابات المتصلة بالآخر». يلفت الانتباه أيضا استعارة ابن خلدون بدوره الصور ذاتها في حديثه عن الشعوب الاستوائية، فقد اعتبرهم كفارا، و«أقرب إلى الحيوان العجم من الناطق… وربما يأكل بعضهم بعضا، وليسوا في عداد البشر». وبهذا لم يستطع مقاومة ضعف التركة الثقيلة التي ورثها عن الجغرافيين، وبالتالي لم يفعل رؤيته النقدية التي طالما دعا في “مقدمته” المؤرخ إلى الالتزام بها.
في المحصلة تبدو التصورات والأحكام عن الأفارقة السود صادرة ضمن «الثقافة المتمركزة حول نفسها، الثقافة التي تقوم على قيم تؤمن بها، وتدعو إليها، وتنفي كل من لا ينصاع إليها… ولا يخفى أن هذه الأحكام تقود إلى إيديولوجيا الإحساس بالتفرد القائم على المفاضلة». فبفعل الشعور الجماعي بالقوة مقابل الآخر، «تتركز مع الزمن للذات صور نقية، استعلائية. أما الآخر، فيصبح بفعل تلك القوة، في مرمى الرذائل، فصورته لا تفارق مستوى الدونية».
تصبح البشرة السوداء إذن، وفق الصور التي تم عرضها، عاهة في ذاتها، بغض النظر عن كونها اختلاف بيولوجي بالمقارنة مع الأغلبية البيضاء. ومما أعطى واقعية أكبر للسواد كعاهة، أن السود أنفسهم استبطنوا هويتهم الدونية، وقبلوا آليات الهينمة والاستغلال الملازمة لها، وفق ما يذهب إليه عالم الاجتماع عبد الصمد الديالمي.
للتوسع في الموضوع، انظر عدد 69 من مجلة “زمان”.