ليس من الغريب أن يتبوأ الفقهاء، في مغرب العصر الوسيط، مكانة متميزة في مجتمعهم ولدى السلطة القائمة على حد سواء. وقد ترسخ في ذهنية المغاربة - المسلمين خلال هذا العصر تقدير كبير للفقهاء استنادا إلى مرجعيتي القرآن والسنة، اللذين أكدا سمو منزلتهم.
تعددت مظاهر مكانة الفقهاء في مجتمع المدينة المغربية خلال العصر الوسيط وتنوعت؛ ولعل من أبرزها تخويل المجتمع لهم القيام بدور التحكيم والإصلاح بين أفراده عند نزاعاتهم، والركون إلى وجهات نظرهم. فقد كان أهل سبتة، مثلا، يفزعون إلى أبي القاسم العزفي (ت. سنة 677هـ/ 1278م) «في المهمات، ويسلمون إليه في الشورى» لما عرف عنه من علم وتدين. وكذلك، كان شأن أهل فاس مع أبي علي الحسن بن منديل المغيلي (ت. سنة 863هـ/ 1457م) الذي كانوا «يصدرون عن رأيه، ولا يعدلون بغيره». وعند الأزمات الاستثنائية مثل القحوط مثلا، يهرع سكان المدينة لطلب الاستسقاء منهم.
الفقيه مكرم حيا وميتا
لهذه الأدوار وغيرها التي كانوا يقومون بها، حظي الفقهاء بمكانة متميزة في مجتمعهم، فكثيرا ما يصادف المطلع على تراجمهم عبارات فضفاضة من قبيل: «وصار العامة والخاصة تحت طاعته»، أو «صار معظما عند الخاصة والعامة»، إلى درجة أن أحدهم من فرط ما حظي به من تقدير عن دوره في محاربة البدع لو قال: «هذا اقتلوه لقتل قبل تمام الكلام»! وقد أولى مجتمع المدينة للفقيه مكانة متميزة؛ فإذا ما عزم فقيه على السفر من مدينته، تشيعه الجموع، ثم تحتفي بعودته.
محمد ياسر الهلالي
تتمة المقال تجدونها في العدد 91 من مجلتكم «زمان»