اعتقد ليوطي أن تعمير البوادي هو الضمانة الأساسية لوجود فرنسي دائم بالمغرب، فأحدث في سنة 1916 “لجنة الاستعمار الفلاحي” التي وفرت آلاف الهكتارات من الأراضي الخصبة لصالح الفرنسيين.
لم يستطع الأوربيون تملك الأراضي بالمغرب بصفة “قانونية” إلا بعد مؤتمر الجزيرة الخضراء في سنة 1906. لكن في الواقع، فإن مقررات هذا المؤتمر لم تضف شيئا ما عدا أنها “قننت” استيلاء الأجانب على الأراضي الفلاحية، خاصة بالقرب من المراسي حيث استقر التجار والسماسرة الأوربيون. وبعد عزل السلطان عبد العزيز ومبايعة أخيه عبد الحفيظ في سنة 1908، حاول هذا الأخير الاعتراض على شراء الأجانب للأراضي الفلاحية مبررا ذلك بخوفه من انتفاضة شعبية ومن معارضة العلماء. وبعد توقيع عقد الحماية في سنة 1912، عمل ليوطي على تشجيع المعمرين على الاستقرار بالأراضي الفلاحية، اعتقادا منه بأن تعمير البوادي هو الضمانة الأساسية لوجود فرنسي دائم بالمغرب. وهذا الاختيار، الذي ركز على تعمير الأرض وترسيخ وجود ساكنة فرنسية فوقها، هو الذي يفسر تبني إدارة الحماية لمشروع “التعمير الرسمي”، أي أن الإدارة الفرنسية بالمغرب ستوفر الأراضي الصالحة للاستثمار للمهاجرين الفرنسيين، وستمكنهم من كل الوسائل المادية من قروض وتجهيزات وخبرة تقنية لإنجاز مشاريعهم.
كانت إحدى أولويات ليوطي هي تسهيل نزع الملكية من أصحاب الأرض المغاربة، وتمكين الفرنسيين منها. وهكذا، جعل السلطان مولاي يوسف يصدر في سنة 1913 الظهير المؤسس للتحفيظ العقاري حتى يسهل نقل الملكية إلى الفرنسيين مع منحهم الضمانة القانونية التي تطمئنهم على الملكيات المكتسبة، إما عن طريق التفويت بالنسبة لأراضي المخزن، أو الشراء بالنسبة لأراضي الخواص. وحتى يوفر الوعاء العقاري الضروري لتلبية حاجيات المعمرين الفرنسيين، أحدث ليوطي في سنة 1916 “لجنة الاستعمار الفلاحي”، التي تمكنت خلال الحرب العالمية الأولى من توفير سبعين ألف هكتار للفرنسيين القادمين من شمال شرق فرنسا حيث تأثر المزارعون هناك من آثار الحرب مع ألمانيا.
محمد المنصور
تتمة المقال تجدونها في العدد 52 من مجلتكم «زمان»