عرف المغرب خطة القضاء مثله في ذلك مثل كل الأنظمة الإسلامية، إلا أن خطة الإفتاء عندنا بقيت يتيمة ومهمشة في حقل العدالة الشرعية، بينما كان المفتي عند العثمانيين يحتل المرتبة الثالثة في الدولة، ولا يعقد السلطان أمرا دون الأخذ برأيه.
في العهود الأولى للإسلام، وخاصة خلال عهد الرسول والخلفاء الراشدين، لم يكن للفتوى مكان، وانصب الاهتمام أساسا على القضاء باعتباره المؤسسة التي يُعول عليها للفصل في الخلافات بين الناس وتمكين ذوي الحقوق من حقوقهم. والدليل على ذلك أن كتاب الأحكام السلطانية للماوردي خال من الإشارة للفتوى وخطة الإفتاء، في الوقت الذي أتي فيه على ذكر كل الولايات والخطط الشرعية. هذا التجاهل لولاية الفتوى في بداية العصر الإسلامي هو الذي يفسر، ولو جزئيا، انعدام الاهتمام بها في الكثير من البلدان الإسلامية، ومنها المغرب. مما لا شك فيه أن تهميش الفتوى كان يخدم السلطة المخزنية التي تريد أن تبسط نفوذها على مجال الأحكام الشرعية من خلال قضاء مُهيكل ومُمؤسس، بدلا من خطة إفتاء قد يكثر فيها المتدخلون، وبالتالي يسهل إفلاتها من يد الحكام. وكان على المغرب أن ينتظر القرن السادس عشر مع وصول السعديين إلى الحكم، لنشاهد أول محاولة لتقنين خطة الإفتاء اقتداء بالعثمانيين الذين سيؤثرون في المشهد السياسي والعسكري المغربي، بل وفي غيرهما من المجالات. لقد حاول السلاطين السعديون محاكاة العثمانيين بتعيينهم مفتيا رسميا يسمى بظهير سلطاني، وتكون له حظوة لا تقل عن حظوة القاضي. وفي نفس الوقت بادروا إلى تعيين ثلاثة مفتين جهويين، كل واحد في حاضرة من الحواضر الكبرى، أي حيثما يوجد قاضي القضاة، وهي فاس، ومراكش، والمحمدية أو تارودانت.
محمد المنصور
تتمة المقال تجدونها في العدد 73 من مجلتكم «زمان»، نونبر 2019