انخرط علماء القرويين في مختلف الأحداث السياسية التي عاشها المغرب، بحكم سلطتهم السياسية والدينية، وازداد اهتمامهم بالسياسة مع دخول الاستعمار الفرنسي، فما هي أبرز مراحل الصراع بين هاته المؤسسة وسلطات الحماية؟
على حماية القرويين، بصفتها مؤسسة دينية وتعليمية في الآن ذاته، ودعت إلى عدم التدخل في شؤونها كباقي المؤسسات الدينية، معتبرة أن أي تدخل فيها يدخل ضمن اختصاصات السلطان نفسه .لكن سرعان ما اتخذت الأمور مجرى آخر، بعدما كشرت هاته المؤسسة عن أنيابها من خلال علمائها وطلبتها الذين رفضوا الاستعمار والسياسة التي جاء بها، فبدأت سلطات الحماية تتوجس من هاته القوة محاولة ردعها إما عن طريق العنف أو استمالة بعض من رجالاتها. لم يكن موقف فقهاء القرويين من معاهدة الحماية (1912) مختلفا عن مواقف نخب المدن، وقد تحدث فايزجربر “Weisgerber” عن ردود فعل أهل فاس قائلا: «عندما عرف النبأ في فاس (…)، اعتبرت معاهدة الحماية كعملية بيع للبلاد، فأجمعت المدينة من شرفاء وعلماء إلى آخر بقال على نبذ الصفقة، التي باع بها “الإمام“ وأمير المؤمنين جزءا من دار الإسلام للمسيحيين». كان من الطبيعي، إذن، أن يكون هناك رد فعل، فاتخذ نبذ هاته “الصفقة“ مظاهر متعددة، أولها انتفاضة أطلقت عليها الأدبيات الفرنسية «الأيام الحمراء» أو «أيام فاس الدموية»، جرت أيام 17 و18 و19 أبريل 1912، تواجه فيها بعض الجنود المغاربة وساكنة فاس مع الفرنسيين مدنيين وعسكريين بتحريض من علماء القرويين، حيث كانوا خلف تأجيج هاته الانتفاضة، وتمرد الجيش المغربي على ضباطه، كما كشفت التقارير السرية للحماية. وعلى خلفية هاته الانتفاضة، أطلق الجنرال موانيي على مدينة فاس «المدينة المجرمة»، كما وصف أحد الصحافيين الفرنسيين أهل فاس بـ«القتلة المجرمين». من جهته، لم يتوان المقيم العام الأول بالمغرب، هوبير ليوطي، بوصف مؤسسة القرويين بـ“البيت المظلم“، لدرجة أنه قال: «لا أخاف على وضعيتنا إلا من أصحاب هذه الجلاليب والبرانص، الذين يترددون على القرويين ليلتحق الطلبة حولهم فيبثوا فيهم من روحهم الإسلامية “المتعصبة“ قبل أن يلقنوهم دروسا في الشريعة الإسلامية».
سارة صبري
تتمة المقال تجدونها في العدد 116 من مجلتكم «زمان»