يحتفظ تاريخ جماعة العدل والإحسان، في علاقتها بالقصر، بمحطتين بارزتين على الأقل حلت فيهما لغة الحوار محل القطيعة المتبادلة. في سنة 1991، يؤكد عبد الكبير العلوي المدغري أنه نجح في إقناع الجماعة بالقبول بالملكية الدستورية وتأسيس حزب سياسي، فيما تنفي هي ذلك. وفي 1999، كان ملف فك الحصار عن مرشدها على طاولة المفاوضات بينها وبين حسن أوريد، موفد القصر.
تصنف «العدل والإحسان» على أنها أقوى تنظيم سياسي في المغرب. القطيعة هي العنوان الرئيسي لعلاقتها بالدولة، حتى إن المعالم الرئيسية في تاريخ الجماعة هي، في الواقع، محطات صراع مع السلطة، بدءا من رسالة «الإسلام أو الطوفان» سنة 1974، وحتى «حملة البيوت المشمعة» المندلعة منذ 2006. بيد أنه في هذا المسار الطويل من العلاقات المتوترة، كان الجو يفتح أحيانا لجولات حوار، ظل الكثير منها مسكوتا عنه، سواء من السلطة أو من الجماعة، لسنين طويلة. من أقوى هذه الجولات، المحاولة التي قادها وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية عبد الكبير العلوي المدغري في يونيو 1991، ثم المحاولة التي قادها في الأشهر الأولى من حكم الملك محمد السادس، حسن أوريد الناطق الرسمي باسم القصر الملكي آنذاك، إضافة إلى جولات أقل أهمية كالتي كان وراءها عبد الكريم الخطيب في يناير 1994.
يعود أول احتكاك لعبد السلام ياسين بالقصر إلى سنة 1971. كان يومها ما يزال عضوا في الزاوية البودشيشية. كتب الرجل ذو الـ43 سنة أول كتبه «الإسلام بين الدعوة والدولة» ووجه نسخة إلى الديوان الملكي. لكن الطريق كان مسدودا، ولم يتلق أي رد.
غادر عبد السلام ياسين الزاوية البودشيشية ورحل إلى مراكش. من هناك، كتب إلى الملك الحسن الثاني رسالته الشهيرة «الإسلام أو الطوفان». كلفت الرسالة صاحبها ثلاث سنوات ونصف من السجن. وفي داخل المعتقل، جرت أول محاولة من الدولة للاتصال به. يكشف فتح لله أرسلان، نائب الأمين العام والناطق الرسمي باسم الجماعة، تفاصيل هذه المحاولة لـ«زمان»: «في داخل المعتقل، تم الاتصال به من أجل حثه على كتابة رسالة طلب العفو، وهو ما رفضه. في المقابل، كتب رسالة جديدة بالفرنسية، إلى وزير الداخلية محمد بنهيمة، يؤكد فيها تشبثه بما كتبه في رسالة الإسلام والطوفان». حسب أرسلان، فإن المسؤولين الأمنيين في مدينة مراكش هم من كانوا يتصلون بياسين خلال هذه الفترة. بعد مغادرة السجن، بدأ عبد السلام ياسين مباشرة في محاولة فاشلة لجمع شتات الحركات الإسلامية من أجل «إنشاء جماعة إسلامية قطرية في إطار حزب إسلامي».
خالد الغالي
تجدون تتمة المقال في العدد 18 من مجلتكم “زمان”