عرف المغرب، في فترات، قضاء سلطانيا مارسه الحاكم بنفسه. كان ذلك القضاء يمزج، ضمنيا، ما بين قوانين القضاءين الشرعي والمخزني، وبه كان السلطان يبسط يديه على كل أنواع القضاء، كما أنه كان الوحيد الذي يبت في النزاعات بين أفراد العائلة الملكية، أو عن طريق شخص يفوضه هذه السلطة.
ابتداء من القرن السابع عشر، شهد المغرب ظهور القضاء القنصلي الخاص بالأجانب، فوجد السلطان نفسه عاجزا عن التدخل في مساطره وقراراته، بل فقد حتى بعض هيبته عندما شمل القضاء القنصلي المغاربة “المحميين” خلال القرون التالية. غالبًا ما كان للقاضي، في المغرب الإسلامي، وضع ذو أهمية استثنائية. هكذا، كان ينظر، في بعض الدول التي سادت في العصور الوسطى، إلى قاضي القضاة كأهم رجل بعد السلطان من حيث المكانة. وحتى في الفترات التي غاب فيها هذا المنصب في الهيكل التنظيمي للدولة، كان القاضي الأكبر في العاصمة، كما كان الحال على عهد السلطان السعدي المنصور الذهبي، عضوا في الديوان السلطاني، وكان يتعاون بشكل دائم مع السلطان ويساهم في اتخاذ أهم القرارات. هذا لا يعني، بتاتا، أن القضاة كانوا مستقلين، لأن الأكثر أهمية بينهم كانوا يعينون، في الغالب، بظهير سلطاني. فيما كان قضاة القرب يعينون من طرف العامل أو ينتخبون من طرف المجلس القبلي. بينما كان على القضاة الدينيين أن يتمتعوا بسمعة طيبة في العلم والتقوى وحسن الخلق من أجل شغل المنصب.
في بعض المناطق، كان على المرشحين لوظيفة القضاء أن يطلقوا لحاهم. لم يكن هذا الشرط، بالطبع، مطلبا رسميا أو شرعيا، لكن هذه العادة كانت موجودة بالفعل ببعض المناطق.
كان القضاة يتلقون أجورهم إما من قبل المخزن أو من القبائل أو الأوقاف. كما كان يمكنهم أن يحصلوا، أيضا، على “هدية” من السلطان أو ممن يمثله. وكان العديد منهم يكتفون بالأجور التي يتلقونها مقابل الوظائف الأخرى التي شغلوها كمدرسين أو أئمة.
يجب التذكير، هنا، أن السلطان كان دائما هو القاضي الأول في البلاد. لقد كان يصدر الأحكام على الشكاوى التي وجهت إليه شخصيا كمرجع أعلى. في زمن السعديين، مثل أيام العلويين، خصص السلطان يوما واحدا في الأسبوع، يوم الجمعة، لمباشرة الشكاوى المرفوعة إليه. في بعض الأحيان، كان “مجلس الحكم” ينعقد يوم الاثنين أيضا.
المعطي منجب
تتمة المقال تجدونها في العدد 73 من مجلتكم «زمان»، نونبر 2019