لا يعود ارتباط المغاربة بفلسطين إلى ”عام النكبة”، وما انتهى إليه من قيام دولة إسرائيل في 1948، مع تهجير آلاف الفلسطينيين .كما لا يعود إلى ”نكسة حزيران” 1967 أو حرب الأيام الستة التي شنت فيها إسرائيل الحرب على ثلاث دول عربية هي مصر وسوريا والأردن، وألحقت بها، مجتمعة، هزيمة “نكراء “انتهت باحتلال سيناء والجولان والضفة الغربية والقدس الشرقية. بل سكن بيت المقدس في الوجدان المغربي منذ وصول الإسلام إلى البلاد، وإقبال عدد من المغاربة على الدخول “في دين الله أفواجا”، شهادة وصلاة وإيتاء للزكاة وصوما وحج البيت من استطاع إليه سبيلا. هكذا، كان الحجيج المغربي يحرص على زيارة المسجد الأقصى باعتباره أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين. ومنذئذ، حظيت القدس بمكانة اعتبارية في قلوب المغاربة، مستحضرين عددا من الأحاديث النبوية التي ترفع من بيت المقدس كونه “أرض المحشر والمنشر” و”مسرى ومعراج الرسول .”وفضلا عن الحجيج، سافر عدد من المغاربة إلى القدس طلبا للعلم، كما هب عدد منهم، أيضا، إلى الالتحاق بجيوش صلاح الدين الأيوبي في حربه ضد الصليبيين بهدف تحرير القدس. يقترح هذا الملف، الذي تعرضه عليكم “زمان” ، تشريح الصلات التي ربطها المغاربة مع فلسطين منذ القرون الهجرية الأولى. كما يتطرق إلى توالي هجرات المغاربة اليهود إلى فلسطين، وحضور القضية الفلسطينية في أوساط النخب الفكرية المغربية، وتحولها إلى قضية محورية ومركزية عند الإسلاميين المغاربة، كغيرهم من إسلاميي العالم…
استبطن مغاربة العصر الوسيط، باعتبار غالبيتهم مسلمين، مجموعة من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تعلي من شأن بيت المقدس، والأجر المترتب عن تقديسه؛ إذ من المعلوم أن بيت المقدس شكل القبلة الأولى للمسلمين قبل نقلها إلى مكة، واختص المسجد الأقصى بمعجزة الإسراء والمعراج. تنوعت الأحاديث النبوية المرتبطة به من حيث مقصدها العام، منها من حض على فضل الصلاة بالمسجد الأقصى، شأن الحديث القائل : «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا [أي مسجد المدينة]». ومنها من بيَّن مضاعفة أجر الصلاة فيه كقول الرسول صلى لله عليه وسلم: «ائتوه فصلوا فيه، فإن كل صلاة فيه كألف صلاة»، أو قوله: «الصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة». بل ذهبت بعض الأحاديث إلى أن المصلي في بيت المقدس تغفر كل خطاياه: «من خرج إلى بيت المقدس لغير حاجة إلا للصلاة فصلى فيه خمس صلوات صبحا وظهرا وعصرا ومغربا وعشاء، خرج من خطيئته كيوم ولدته أمه». ومعلوم أن المغربي المسلم كان يكابد مشاق السفر وصولا إلى بيت المقدس ومسجده، وكله رجاء في الحصول على الجزاء الأخروي والثواب والمغفرة المضاعفين.
هيئة التحرير
تتمة المقال تجدونها في العدد 122 من مجلتكم «زمان»