أصدرت جماعة ”العدل والإحسان” وثيقة سياسية طويلة، قرأها البعض أنها مؤشر على تطور حاصل داخل الجماعة لتنخرط في العمل الحزبي. لكن بإزاء مضمونها فقد أتى سياقها بتأويلات ورسائل سياسية أخرى.
بشكل مفاجئ وفي سياق “هادئ“، اختارت جماعة “العدل والإحسان“ إصدار وثيقة سياسية تتناول من حيث مضمونها جل قضايا الشأن العام بالمغرب. لكن من حيث سياقها، فهي وثيقة كانت تنتظر اللحظة المناسبة لتقدم فيها الجماعة تصورها ورؤيتها الشاملة للعديد من التطورات. وجاء توقيت الوثيقة في شهر فبراير بعد 13 عاما على الربيع العربي، بالتحديد على ظهور حركة 20 فبراير سنة 2011، التي اشتركت فيها الجماعة بقوة واعتبرتها “بشارة قومة“ بمفاهيم مرشدها. قد يكون إذن اختيار الجماعة لشهر فبراير ذا رمزية أو غاية سياسية، إذ أن “ذكاء“ الجماعة جعلها تنتظر ولا تتسرع: أي أنها انتظرت هدوء بعض العواصف السياسية والاجتماعية (مظاهرات غزة، التعليم…) ولكي تثير انتباه الرأي العام لوثيقتها، فتوالي الأحداث في المغرب أضحى يطمس بعضها البعض، وأيضا تعجلت لكي لا تصادف يوم “20 فبراير“ حتى لا يفهم ما لا يقبل فهمه أو تحميلها ما لم تعد تتحمله، فاكتفت بيوم 6 فبراير لإعلان إصدارها .وعلى العموم يبدو أن الجماعة ربما ما تزال تراهن (أو تتيمن) برمزية شهر فبراير. يقول أصحاب الوثيقة إن انطلاق إعدادها تطلب أربع سنوات لإنجازها، وهو توقيت تزامن مع انتهاء فترة تدبير حليفهم الإسلامي [وغريمهم] حزب “العدالة والتنمية“ في الحكومة، الذي اتسم بأنه تدبير فشل في الحفاظ على شعبيته، بل يُقرأ بأنه خسرها حسب ما تؤكده نتائج انتخابات .2021 هكذا تأتي الوثيقة لتحاول التأكيد بأن “التيار الإسلامي“ ما يزال حاضرا ليس فقط في الشأن السياسي، بل أصبح له رأي في عدة مجالات، بعضها يبدو جديدا، مثل إدلاء رأي الجماعة في مجالي الرياضة والفنون. وعلى الرغم من أن الوثيقة تقول إنها استمرار لوثائقهم السابقة “حلف الإخاء“ الصادرة عام ،2006 ووثيقة “جميعا من أجل الخلاص“ الصادرة عام ..2007 إلا أن الوثيقة الأخيرة تختلف عن سابقتها من حيث الشكل والمضمون، ومن حيث السياقات والتغيرات الداخلية (للجماعة وللبلاد) والدولية كذلك. في حوار مع نائب الأمين العام لجماعة العدل والإحسان فتح لله أرسلان، منشور على موقع الجماعة، وجوابا عن أن الوثيقة إيذان بإمكانية تحول الجماعة إلى حزب سياسي، قال هذا القيادي إن الجماعة ما فتئت تذكر أنها تقبل مبدئيا التحول إلى حزب، لكن الظروف الحالية «غير متاحة لتأسيس حزب حر ومستقل» .وأضاف أن إصدار الوثيقة بهذا الشكل والخطاب «لا يعني التراجع عن الخط والتوابث». كما ينفي أصحاب الوثيقة عنها أية «نزعة تجريبية» أو كونها «برنامج انتخابي مباشر». يقرأ البعض ما ترنو إليه الجماعة أنها تعلن استعدادها أن تتحول في أي لحظة إلى حزب مشارك في العملية السياسية بشكل رسمي، فهي تراهن على تغير الظروف وعلى «تحمل الجميع المسؤولية التاريخية في الحضور والفعل والمبادرة وتكثيف وتوحيد الجهود». وإذا كانت الجماعة تلقي “اللائمة” على الآخرين وتمد يدها لمن تسميهم «الفضلاء الديمقراطيين»، فإن الفاعلين السياسيين (الديمقراطيين) لا يعارضون بدورهم إسهام أي تيار وتقديم مقترحاته في شتى المجالات، لكن يبقى أحد العوائق الكبرى بين الطرفين وعدم تحقق “الرؤية“، هو تغيير الجماعة موقفها من إمارة المؤمنين، وهو ما قفزت عليه “الوثيقة السياسية“ ولم تتناوله.