كان محمد لشقر، المولود في الحسيمة في عام ،1950 يبلغ تسع سنوات عندما اشتعلت المدينة. هنا، يستحضر تلك الأحداث، التي اعتقل على إثرها والده وجده .غير أن تلك الأحداث لم تؤثر عليه سلبا، بل كانت له حافزا للانكباب على التعلم والدراسة، أنهاها بالحصول على شهادة البكالوريا في تطوان، ثم اختار دراسة الطب. هكذا، انتقل إلى الرباط، وسرعان ما اندمج في الاتحاد الوطني لطلبة المغرب مناضلا، بدون أن ينتمي إلى أي فصيل. في سنته الثالثة، سيتعرض للاعتقال، بداية في الحسيمة قبل أن ينقل إلى الدار البيضاء، ليعيش تجربة درب مولاي الشريف و”كوربيس”.
ولدت في الحسيمة وكان عمرك تسع سنوات، حين وقعت انتفاضة الريف، ماذا تذكر منها؟
ُوُلدت في الحسيمة عام .1950 لقد كنت شاهدا ومسهما من قريب فيما يسمى بانتفاضة الريف أو الحرب الثانية في الريف، التي ما زالت ترفض الأوساط الرسمية والسياسية في المغرب الاعتراف بها، بل هناك عملية تعتيم حولها وما زال الكثير حتى اليوم يصر على تسميتها بـ“أحداث الريف“ …لقد تشكّلت حياتي في ظل هذه الحرب، لا سيما مع الصمت الذي أحاط بهذه المأساة المستمرة، سواء داخل البيت أو في المدرسة أو في الشارع .أحمل الكثير من الذكريات عن تلك الفترة، بعضها حاد وواضح، وبعضها الآخر باهت، مثلما تكون أحياناً ذكريات الطفولة. ما زالت محفورة في ذاكرتي إلى اليوم أحاسيس ومشاعر كثيرة، وكذلك ذكريات أكثر ألماً، لاسيما المآسي التي ألمّت بعائلتي. أتذكر بشكل خاص اللحظات التي اعتُقل فيها والدي وجدي. كوني طفلا أول ما نغص حياتي وحياة أصدقائي في حينا هو إجبارنا من طرف الكبار من عائلاتنا على العودة مبكرين إلى منازلنا عند المساء بعدما تم فرض حالة استثناء ومنع التجوال ليلا منذ الأيام الأولى. كنت أشعر بأنني سجين لا أعرف ماذا أفعل. كنت أصعد إلى غرفتي، أتناول قصصا مصورة فأقرأها وأعيد قراءتها عدة مرات، ومن حين لآخر كنت أسمع طلقات الرصاص غير بعيدة من منزلنا…
ماذا علق بذاكرتك وأنت طفل حينها؟
من بين ما أتذكره كذلك تلك اللحظات التي كنت أقضيها في قلق كبير، وأنا أتابع، ليلا، والدي منحنيا على المذياع وأصابعه تعبث بمقبض البحث عن محطات أقل تشويشاً .كانت صفارات الموجات الحادة تملأ أذني. كانت الإذاعة المصرية “صوت العرب“ تتحدث عن القمع الدموي المسلط على الأحرار في الريف، وتنقل تصريحات عبد الكريم الخطابي التي تندد بجرائم الجيش وحزب الاستقلال .اسم قائد ثورة الريف سيرن في أذني لأول مرة، وكنت أقضي باقي الليل، وأنا أتساءل من يكون هذا الرجل الأسطورة الذي يتكلم معنا من بعيد، يحن علينا ويساندنا. وبعد ذلك، غالبا ما كنت أقضي الليلة بأكملها أبكي، وأفكر فيما قد يحدث لنا نحن عندما سيقتحم الجيش المدينة التي بقيت إلى حد ما في منأى عن المواجهات العسكرية التي بقيت في البداية منحصرة بعيدة في القرى والجبال فقط .ثم جاء مساء يوم الأحد، الخامس من يناير ،1959 عاد والدي إلى المنزل في وقت مبكر جداً، دون أن يهتم بنا أو يوجه لنا أي كلمة، قام بتشغيل الراديو. أخذ يتنقل بين المحطات حتى استقر على إذاعة المغرب باللغة العربية.
حاوره عمر جاري
تتمة الحوار تجدونها في العدد 136 من مجلتكم «زمان»