عرف المغرب، قبل أن يؤسس أول دولة مركزية، إمارات وكيانات تميزت كل واحدة منها بمرجعية دينية ”عقدية” وسياسية معينة. ودخلت هذه الإمارات في صراعات مع الخلافات الإسلامية المزامنة لها من أمويين وعباسيين وفاطميين.
بعد سنوات قليلة من انتهاء حكم موسى بن نصير وابن زياد بالمغرب، أعلن ميسرة المطغري، الزعيم الأمازيغي، عن ثورته ضد الولاة الأمويين بشمال إفريقية، وذلك باسم الخوارج الصفرية الذين تعاونوا معه .وكان هؤلاء ممن نفاهم بنو أمية من المشرق، فلجأوا إلى المغرب وتعاونوا مع الأمازيغ، سكان البلد، للانسلاخ عن حكم الأمويين، لكنهم انقسموا إلى خوارج صفرية وخوارج إباضية نتيجة خلافات عقدية وسياسية. بويع المطغري في سنة 739م كـ“أمير للمؤمنين“، لكن لم يستمر حكمه طويلا، إذ بعث إليه الوالي الأموي بإفريقية (تونس) بجيش كبير ليقمع تمرده .ثم عاد المطغري إلى طنجة واستكان هناك، بيد أن من سُمّوا بغلاة الصفرية واصلوا تمردهم ضد الخلافة الأموية إلى أن قتل المطغري. انتقلت بعدها الزعامة إلى الزناتيين الذين استمروا في معارضتهم للأمويين تحت راية الصفرية، «فمالوا بالتدريج نحو حقن الدماء وتدبير أمورهم بالانتظام في كيانات سياسية مختلفة».
بمنطقة النكور (نواحي الحسيمة)، ظهرت أولى الإمارات المستقلة بالمغرب، وهي إمارة بنو صالح التي أسسها صالح بن منصور بعد قدومه من القيروان سنة 698م .قال ابن خلدون أن موسى بن نصير كان قد أقطع صالحا هذه المنطقة بموافقة الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك لما شاهداه منه من صلاح وسبق في نشر الإسلام بين قبائل نفزة وصنهاجة وغمارة. لذا، «ارتبطت النكور رأسا بدمشق»، وظلت علاقاتها مع بني أمية بالأندلس على وفاق، من ذلك مثلا أن إدريس بن صالح حمى ابن معاوية المعروف بعبد الرحمان الداخل، بإمارته بالنكور خمس سنوات، عندما لجأ إليه فارا من بطش العباسيين. كما تصدت هذه الإمارة للخوارج الذين تمردوا على الأمويين، وللشيعة. ولما ظهر مذهب الإمام مالك بالحجاز، آثروا التشبث به.
غسان الكشوري
تتمة المقال تجدونها في العدد 113 من مجلتكم «زمان»