تقبل بلادنا، ابتداء من 4 شتنبر 2015، على استحقاق سياسي هام يتمثل في الانتخابات الجماعية، التي ظلت تؤجل منذ سنة 2012. تنطوي هذه المحطة على رهانات متعددة ومختلفة باختلاف مصالح المتنافسين فيها. في سياق الانتقال المنشود نحو الديمقراطية يمكن اعتبار تحرير السياسة أهم رهان من تلك الرهانات. المقصود تحرير “اللعبة” السياسية كما توصف عادة من التحكم الواضح أو الضمني في مجرياتها، والذي ظل مجسدا لعقود طويلة في أجهزة وزارة الداخلية. لأول مرة في تاريخ المغرب المستقل أعلن رسميا أن رئيس الحكومة هو المشرف الأول والمباشر على الانتخابات. تطور أساسي بالنظر للأمر الواقع الذي ظل مفروضا إلى حدود انتخابات 2011 حين كان الوزير الأول يجلس في حضرة وزير الداخلية، مثله مثل أي رئيس حزب في الاجتماعات التشاورية التي تعقد بمقر الداخلية أثناء التحضير للانتخابات.
كانت صور تلك الاجتماعات تعكس الواقع السياسي الحقيقي. يظهر وزير الداخلية في صورة الحاكم الفعلي للحكومات، بإشرافه المباشر على أهم ملف يمكن أن يحدد مصير الوطن، بينما تجري الانتخابات في كل بلاد الدنيا تحت إشراف رئيس الحكومة باعتباره الرئيس الفعلي للجهاز الإداري والأمني المرتبط بوزارة الداخلية، ويكون القضاء ملجأ المشتكين إذا حصل سوء تدبير أو تزوير. يظهر التوازي، غير الطبيعي، بين الجهاز الإداري والأمني التابع لوزارة الداخلية من جهة، ومن جهة ثانية المجتمع السياسي بأحزابه ونقاباته وجمعياته… بل ووزرائه ومنتخبيه! يظل ضبط ومراقبة هذا المجتمع السياسي مهمة أساسية لذلك الجهاز الإداري والأمني، وتكون لحظة الانتخابات مفصلية في هذه المهمة الرقابية العجيبة من نوعها.
لعل رد فعل بعض الأطراف، بعد الإعلان عن كون رئيس الحكومة الحالي هو المشرف المباشر على الانتخابات، دليل على أهمية هذا الرهان. الوضع القديم كان يغني البعض عن بذل الجهود اللازمة إذ النتيجة رهينة، بشكل أو بآخر، بإرادة الجهاز المتحكم. اضطر رئيس الحكومة للتراجع وتكليف وزيري الداخلية والعدل برئاسة الاجتماعات التشاورية مع الأحزاب. لكن الرهان على تحرير السياسة بمناسبة هذه الانتخابات لا ينحصر في فترة الإعداد لها فقط. لقد كان تشكيل مجالس المدن في انتخابات 2003 و2009 تعبيرا مؤسفا عن التحكم الإداري والأمني في السياسة. بغض النظر عمن يفوز ومن يخسر، يبقى هذا التحرير المنشود أهم مؤشر على التقدم أو استمرار التأخر.
إسماعيل بلاوعلي