اخترنا في هذا الملف أن نقف على أوجه العلاقة التاريخية والوجدانية ما بين المغرب وتونس. على مدار أكثر من ستين سنة، لم يعكر صفو العلاقة بين البلدين شيء عدا إعلان استقلال موريتانيا ودعم الرئيس بورقيبة له، وانزعاج فريق من الطيف السياسي المغربي لذلك، رغم أن موقف المغرب الرسمي كان يتسم بالواقعية، فضلا عن الاتجاه التقدمي الذي كان يمثله حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية والذي لم يؤمن قط بمغربية موريتانيا، وكان يرى في ذلك نوعا من الدونكيشوتية، وكان مصيبا في ذلك.
عدا هاته السحابة، تميزت العلاقة بين المغرب وتونس بالحميمية، أو بنوع من التواطؤ، إن صح هذا التعبير. ولم تقتصر العلاقات بين البلدين على الجانب الرسمي، وطالت كذلك القوى الحية، والنخبة المثقفة، والطلبة. واحتضنت جامعات المغرب ثلة من الطلبة التوانسة، منهم من تولى مسؤوليات حكومية في بلده، وتكوّنت دفعات من الطلبة المغاربة في الطب والصيدلة في تونس…
وكان من الطبيعي أن يتابع المغاربة، من مختلف المشارب تطور تونس، وبخاصة بعد أن وضع الشعب التونسي حدا لديكتاتورية فظة ومقيتة. تطلع المغاربة، وبخاصة الاتجاهات التقدمية، إلى أن تنجح التجربة الديمقراطية التونسية وتكسر تابو العائق التاريخي، وتعانق ما يسمى بالمعتاد أو الوضع الطبيعي.
كانت تونس المختبر للديمقراطية، وللفكر الحديث، وأعطت بحق هامات تجاوز إشعاعها الحدود… وكانت هذه الهامات تجد امتدادها في المغرب، سواء من خلال المتتبعين وتلقى صدى لها، من محمد الطالبي، ومحمد الشرفي، وعبد المجيد الشرفي، وهشام جعيط، وهذا غيض من فيض…
نستنكف الخوض في قضايا خاصة تهم التوانسة وخياراتهم، وكل ما يرتبط بسيادة بلد، ولكننا لا نستطيع الإمساك عن الحديث حينما يمَس الأمر رصيد العلاقات التاريخية والوجدانية، أو رأسمالها… لا يمكن لأي أن يعبث بهذا الرصيد، أو تغلبه العزة بالإثم فيضرب عرض الحائط بهذه الرصيد.
استقبال الرئيس التونسي الحالي قيس سعيّد لزعيم جبهة “البوليساريو“ إبراهيم غالي، بتونس، في إطار لقاء دولي، ترعاه اليابان والاتحاد الافريقي، استهتار بهذه الرصيد. حضور زعيم البوليساريو أعمال لقاء إفريقيا – اليابان، رغم أن طوكيو لم توجه له دعوة، واستقباله بمراسم رئيس دولة خروج عن الخط الذي انتهجته تونس والتزمت به… فأين هو الحياد المزعوم في استقبال بمراسم رئيس دولة؟
طبعا نحن نميز بين الشعب وهو الثابت، وبين المتحول. والشعب التونسي حي ويقظ. تغلبَّ على الزيغ الذي فرضه عليه حكامه، في فترات من تاريخية، بطريقة سلمية وحضارية، ولذلك نُعول على الشعب التونسي، وقواه الحية، في رسم معالم للطريق تستجيب وعبقرية الشعب التونسي. والتحول الذي أجرته القيادة التونسية حيال المغرب، لا يمس نظرتنا للشعب التونسي، ولا ينبغي أن يصدر أي شيء يقدح في الشعب التونسي، أو يمس مصالحه أو يسيء إليه.
لا نلعن لا الماضي، فبالأحرى المستقبل …ونتبنى طرح منصف المرزوقي، المتهم بالخيانة في بلده والتآمر عليه، من أن لا تونس ولا الجزائر ولا المغرب، يمكن أن يخرجوا من الوضع الحالي لمفردهما، فضلا عن ليبيا وموريتانيا.
وقد يكون عيبنا أننا نتبنى طرح المرزوقي، مَن ناضل في بلاده من أجل الحرية والكرامة، وأدى الثمن غاليا…
العلاقة بين المغرب وتونس تاريخية ووجدانية… إذ الشعوب تبقى. ولا بُد لليل أن ينجلي، ولا بد للقيد أن ينكسر. طال الزمن أم قصُر .ولا يمكن حكم شعب، متوثب كما الشعب التونسي، بما يسميه التونسيون بالعُكاظيات.
حسن أوريد
مستشار علمي بهيئة التحرير