مرّ المغرب بفترة عصيبة إبان الحماية الفرنسية بين عامي 1912 و1956، حيث واجه تحديات جسيمة هددت كيانه وهويته الوطنية. وفي غمار هذا الكفاح، سطرت المرأة المغربية صفحات مشرقة من النضال، وقدمت إسهامات جليلة، سواء من خلال دعمها الفعّال للحركة الوطنية أو انخراطها المباشر في صفوف المقاومة المسلحة، متحديةً القيود الاجتماعية التي كانت تعترض طريقها.
منذ بزوغ فجر الحركة الوطنية، أدركت النساء المغربيات عمق المسؤولية الملقاة على عاتقهن في دعم الكفاح الشعبي ضد نير الاستعمار، ولم يقفن مكتوفات الأيدي، بل حملن راية المظاهرات والاحتجاجات التي اجتاحت المدن المغربية، وكن في مقدمة الصفوف صادحات بصوتهن الجريء في وجه الاستعمار، مطالبات بالحرية والمساواة. وقد سجل التاريخ بأحرف من ذهب تضحياتهن في العديد من الأحداث البارزة، منها مظاهرة المشور بمراكش في 15 غشت 1953، التي شهدت سقوط أول شهيدة للمقاومة: فاطمة الزهراء بنت مولاي الحسن البلغيتي، التي روت بدمائها أرض الوطن، مؤكدة أن المرأة كانت وما تزال جزءً أصيلًا من ملحمة التحرير.
لعبت المرأة المغربية دورًا محوريًا في المقاومة المسلحة ضد الاستعمار الفرنسي والإسباني، سواء من خلال دعمها اللوجستي أو المشاركة المباشرة في المعارك. شاركت النساء في نقل الأسلحة والمؤن، ورعاية الجرحى، وتأمين الملاذ الآمن للمقاومين. كما انخرط بعضهن في التجسس وجمع المعلومات الحساسة عن تحركات العدو، وساهمن في تنظيم التجمعات السرية التي عززت الوعي الوطني.
إلى جانب أدوارها السياسية والعسكرية، كانت المرأة المغربية ركيزة أساسية في الحفاظ على الهوية الثقافية والتربوية خلال فترة الاستعمار. لعبت النساء دورًا فاعلًا في غرس قيم الوطنية والنضال في نفوس الأجيال الصاعدة، وذلك من خلال تحويل بيوتهن إلى فضاءات سرية لتعليم مبادئ التحرر والمقاومة. كما عملن على نشر التعليم بين الفتيات، وأسسن جمعيات خيرية وتعليمية في مدن كبرى مثل فاس ومراكش، مما ساهم في تعزيز الوعي الوطني وتقوية صفوف الحركة الوطنية من خلال تمكين المرأة وتوسيع نطاق التعليم في صفوف المجتمع المغربي.
لعل من أبهى الأمثلة على الدور الريادي للمرأة المغربية في المقاومة ضد الاستعمار يتجلى في شخصية «مليكة الفاسي»، التي صنعت تاريخًا بمواقفها الجريئة. كانت المرأة الوحيدة التي وقّعت على وثيقة المطالبة بالاستقلال عام 1944، لتصبح رمزًا من رموز الوطنية والشجاعة. وإلى جانب كفاحها السياسي، كرّست الفاسي جهودها للنهوض بالتعليم، حيث أسست جمعيات خيرية وتعليمية ساهمت في تمكين المرأة المغربية وترسيخ الوعي الوطني، مجسدة بذلك نموذجًا متكاملاً للمرأة التي تجمع بين النضال الفكري والاجتماعي من أجل تحرير الوطن.
رغم القيود الاجتماعية، تمكنت النساء من كسر الحواجز، وقدمن دعمًا لا غنى عنه في مختلف جوانب المقاومة، فقد واجهن التحديات بشجاعة، وساهمن في الحفاظ على الهوية الثقافية، كما أن تأثيرهن في تلك الحقبة يؤكد قوة الإرادة النسائية وأهميتها في النضال من أجل الحرية.
خلود عربة (صحافية متدربة)