تنكر فرانشيسكو باديا في هيئة تاجر حلبي وشريف عباسي، بعدما أتقن العربية، وحفظ ما تيسر من سور القرآن، ثم تمكن من دخول قصر المولى سليمان، وكان بإمكانه خلق تمرد لولا أخطاء اللحظات الأخيرة.
مع بداية القرن التاسع عشر، وعلى عهد المولى سليمان العلوي، كان المغرب ما يزال يلملم جراحه بعد تداعيات الطاعون الكبير الذي عرفته البلاد بعد نهاية القرن الثامن عشر، والذي قضى على عدد غير هين من السكان، خاصة منهم الأطر التي كانت خبيرة بتسيير شؤون الدولة، فضلا عن الأوضاع السياسية المضطربة، وتمرد القبائل على السلطان بمختلف مناطق المغرب، والصراعات التي كانت بين السلطان نفسه وإخوته وأبناء عمومته. فتحت هذه الأوضاع أطماع الإمبرياليات الأوربية الناشئة، كإنجلترا وفرنسا وإسبانيا وهولندا، وأثار بينها سباقا محموما نحو السعي لاحتلال المغرب، خصوصا مع من كانوا يعتقدون في ضعف السلطان المولى سليمان، وتواضعه، وتغليبه للجانب الديني في قراراته بعيدا عن المنطق المصلحي والبراغماتي، فقررت إرسال عدد من الجواسيس لاختراق دائرة الحكم، والتحريض سواء بين الشخصيات المناوئة أو القبائل المتمردة. وقد كان دومينغو فرانشيسكو باديا، والذي لقب نفسه بـ“علي باي“، أشهر هؤلاء الجواسيس، بحكم تمكنه من الوصول إلى السلطان نفسه والتقرب منه، والتعرف بدقة على أحوال المجتمع المغربي في زمن وجيز، فمن يكون دومينغو باديا؟ وكيف تمكن من التسلل إلى المغرب وإلى حضرة السلطان؟ وما أهم ما نقله عن أحوال المغاربة؟ وكيف كانت نهايته بالديار المغربية؟
مع وصول نابليون بونابارت إلى الحكم، وتسمية نفسه إمبراطورا على فرنسا عام ،1799 تحركت الملكية الإسبانية نحو المغرب طمعا في احتلاله، فبدأت بإرسال الجواسيس لإرسال التقارير عن أحواله وأوضاعه، وهنا برز اسم مغامر إسباني مغمور يدعى “دومينغوباي ليبليخ“، وكان ضابطا عسكريا بالمدرسة الحربية، درس الطب والفلك وعلم المعادن والنبات والرياضيات، وتعلم عدة لغات منها اللغة العربية، وكان يتمتع بذكاء كبير، واهتمام بمنطقة شمال إفريقيا، لدرجة أنه عرض على رئيس حكومة إسبانيا دي كوداي خطة تقضي بإقامة مستوطنة أوربية بصحراء أنكاد بين المغرب والجزائر.
محمد عبد الوهاب رفيقي
تتمة المقال تجدونها في العدد 111 من مجلتكم «زمان»