مع استثناءات قليلة لم تذهب إلى أبعد مدى، ظلت سياسات الرؤساء الجزائريين في تدبير العلاقة مع القصر في الرباط ثابتة وغير متغيرة بتغير الرؤساء، علاقة يمكن تسميها بـ”التوتر المضبوط” وفق قواعد اشتباك واضحة بين نظامين سياسيين اختلفا في المنطلقات التي تضفي الشرعية على وجودهما. ففيما يستند النظام المغربي إلى ثقل التاريخ، يستند النظام الجزائري إلى شرعية جديدة ومعاصرة.
كان الحذر المتبادل عنوان العلاقات السياسية المغربية الجزائرية على امتداد تاريخ البلدين منذ استقلالهما. فالبلدان، ورغم كل ما يجمعهما من قواسم ثقافية وتاريخية مشتركة، فرقت بينهما طبيعة الاختيارات السياسية لأنظمة فجر الاستقلال، بعد أن وحدت بينهما معركة مواجهة الحضور الأجنبي متمثلا في فرنسا. غير أن اختلافات الانطلاقة أو الولادة ألقت بثقلها على العلاقات بين الجارين طيلة العقود الماضية.
ففي الوقت الذي اختار فيه النظام الجزائري الجديد القطيعة وتبنى خيار معسكر مشبع بأفكار قومية عروبية تزعم الممانعة والصمود في مواجهة بقايا الاستعمار والرجعية، اختار النظام المغربي، بشكل أكثر وضوحا، المعسكر المضاد بعد أن وصل الحسن الثاني إلى العرش سنة 1961.
كان الأمر، إذن، دائما مرتبطا بنموذجين متناقضين من الصعب أن يتعايشا، رغم كل التنازلات التي حاول الطرفان أن يقدماها أحيانا في سياقات وظروف مختلفة. كانت الفوارق البنيوية بين النظامين سرعان ما تعود لتعيد العلاقات بينهما إلى نقطة البداية، فلا هي قطيعة نهائية ولا هي علاقة عادية بين بلدين يجمع بينهما التاريخ والجغرافيا والدين واللغة.
وكما كان لوقع الأحداث والوقائع المختلفة في المغرب صدى في الجارة الشرقية، كان لمختلف التحولات الداخلية الجزائرية بكل تأكيد تأثيرات عندنا هنا في المغرب، سواء على المستوى الشعبي أو على المستوى الرسمي. ومن المهم، هنا، سرد تطور العلاقة بين النظامين خلال مختلف فترات حكم الرؤساء الجزائريين. فهل كانت هناك تباينات بين الرؤساء الجزائريين في تدبير العلاقة مع النظام المغربي؟ أم أن الحفاظ على التوتر المضبوط كان من بين الثوابت في السياسة مع المغرب؟
عماد استيتو
تتمة الملف تجدونها في العدد 67 من مجلتكم «زمان»