تشكل ساحة باب سيدي عبد الوهاب علامة فارقة في تاريخ مدينة عريقة في القدم، وما تزال إلى الآن تخفي أسرارا لم تنطق بها بعد.
وجود الساحات خارج الأسوار ببعض المدن العتيقة بالمغرب له رمزيته المتأصلة المرتبطة أساسا بعوامل نشوء تلك المدن، كما أن له وظيفته العملية التي تحدد العلاقة بين من هم خارج الأسوار ومن هم داخلها. كانت الساحات فيما مضى هي المنبسط أمام الأبواب الذي يكشف عن المغيرين ويجعلهم في مرمى حراسها، هي المساحة المخصصة لاستقبال القوافل التجارية القادمة إلى المدينة، وهي أيضا الفضاء الذي أعد لاستعراض الجيوش والعدة والعتاد أثناء الاستعداد لخوض المعارك. أما اليوم، فهي مجال يحتضن أسواقا تحيط بها المتاجر التي تعرض سلعا متنوعة، ويتخذ بعض الباعة من الأرض مفترشا لبضائعهم، وتشكل هذه الساحات – الأسواق، التي يؤمها الناس بأعداد كبيرة، فضاء لأنشطة ترفيهية متنوعة، تتخللها استعراضات فنية وألعاب فرجة وحلقات الحكي والفكاهة، وضروب الإيقاعات الموسيقية التي تمتح من تقاليد موغلة في القدم. إذا كانت الساحة فضاء لتجمع الناس، فهناك بالضرورة ما يجمعهم كحاجة حياتية متكررة مع توالي الأيام، فهي سوق رائجة توفر المستلزمات، وفي الوقت نفسه تُسهم في صهر العلاقات الإنسانية من خلال توثيق الوشائج بين أفراد التأموا بشكل تلقائي لإشباع فضولهم الوجداني، وإثراء خيالهم غير المتناهي بما أبدعه منشطو الفرجة من لوحات، وما تفننوا فيه من عروض تسر الناظرين، وتثير إعجاب الحاضرين الذين يواظب أغلبهم على القدوم للساحة في أوقات معلومة للترويح عن النفس، ولتحقيق الصلة مع ماض أجهد الحاكي والناظم والعازف أنفسهم لإعادة بنائه سرديا، أو عبر نغمات سحرية تقشعر لها الأبدان.
عبد المالك ناصري
تتمة المقال تجدونها في العدد 116 من مجلتكم «زمان»