تعتقد سمية نعمان جسوس، عالمة الاجتماع، أن المجتمع المغربي لم يكن أكثر انفتاحا أو حرية في الماضي، لكنه كان أكثر تسامحا.
ثمة انطباع بأن المجتمع المغربي كان أكثر تحررا وانفتاحا في سنوات الستينيات والسبعينيات. إلى أي حد يمكن اعتبار هذا الانطباع صحيحا؟
فعلا، هناك خطاب يعتبر أن المجتمع المغربي كان أكثر انفتاحا في الماضي، لكنني أعتقد أنه ينبني على تحليل سطحي .بطبيعة الحال كانت هناك فئات قليلة في الفترة التي تلت الحماية، أتيحت لها إمكانيات التمدرس والسفر والانفتاح على العالم وقيمه العصرية، لكن المجتمع المغربي عموما كان محافظا. فأكثر من سبعين بالمائة من سكانه في الستينيات كانوا يعيشون في البادية، وكانت القيم التقليدية هي السائدة، ونسبة التمدرس كانت ضعيفة. الذي حصل هو أن هذا المجتمع عاش تحولات وتقلبات سريعة ومتداخلة، فهو لم يعش تطورا طبيعيا بالانتقال من مرحلة إلى أخرى، بل خضع للعولمة ومؤثرات الحداثة ثم التلفزيون والفضائيات والأنترنت والهواتف الذكية …في مرحلة زمنية قصيرة جدا، وهذا ما يجعل تحليله، علميا، أمرا صعبا. لكن الأكيد أن المجتمع المغربي، في تلك الفترة، كان أكثر تسامحا، وكان الناس أكثر احتراما لخصوصيات الآخرين. لا شك أن هذا التسامح كان نابعا من انفتاح بعض الفئات القليلة على القيم العصرية، لكن المهم أنه كان قائما كذلك لدى تلك الفئات الأخرى البعيدة عن القيم الغربية. ذلك أن سكان البوادي المحافظين المتشبعين بالقيم التقليدية كانوا أكثر تسامحا مع الآخر المختلف عنهم، لأن هذا التسامح جزء من القيم التقليدية .ثم بدأ التحول على هذا المستوى بسبب انتشار قيم محافظة أخرى واردة من المشرق.
أي أن القيم التقليدية المحلية كانت أكثر تسامحا من التقاليد المستوردة من المشرق؟
تماما، لأن الخطاب المشرقي المحافظ، في العموم، ينبني على نموذج مثالي يحدد تفاصيل السلوك والحياة لدى الأفراد، ويحث الأفراد على الالتزام به بشكل صارم، وبالتالي إقصاء كل من لا يعيش وفقا لهذا النموذج .إذا أخذنا، على سبيل المثال، المثلية الجنسية، وهي نقطة حساسة لقياس مدى التسامح مع الآخر المختلف، نجد أن الموقف السائد اليوم هو إدانة المثليين وإقصاؤهم من المجتمع لأنهم خرجوا عن النموذج المثالي المتصور. في حين أن المغاربة في الأمس، ولو في نطاق عقلية محافظة، كانوا لا يدينون المثليين ولا يقصونهم وأكثر ما يمكن أن يقال في حقهم هو عبارات من قبيل “مكتاب عليه“ أو “مسكين الله يحفظ“… دون أية إدانة أو إقصاء .اليوم، أصبح المعيار السائد هو إما أن تشبهني أو أنك خارج عن الطريق، فصار أي فرد يعطي لنفسه الحق في الحكم على سلوكات الآخرين وكيف يجب أن تكون.
حاورها إسماعيل بلاوعلي
تتمة الحوار تجدونها في العدد 32 من مجلتكم «زمان»