عاش سيدي بليوط ”أبو الليوث “في زمن انتعش فيه الصلاح بالمغرب، فتحول ضريحه إلى مزار استقطب عامة الناس وخاصتهم، وقد رسخ في ذاكرتهم ما اختص به دفينه من كرامات، وما كان لمداخيله من منافع عمت الفقراء والمحتاجين بإشراف من المخزن.
قدس المغاربة المتصوفة وبجلوهم منذ زمن بعيد. وتبعا لذلك، فقد تنافسوا في ابتداع الكثير من الأساليب والممارسات في تنظيم العديد من الطقوس الروحانية، تقديرا لهؤلاء الأولياء والصلحاء، فزخرفوا عمران الأضرحة بكل ما هو مثير، وكسوا قبور المدفونين بها بأفخر الأثواب المطرزة، وجهزوا الأمكنة بالوسائل المناسبة لاستقبال الزوار، وخصصوا الموارد المهمة من الأحباس الموقوفة على تلك المباني المقدسة، وذلك لتعهدها بالصيانة والإصلاح، وأداء أجرة القيمين عليها ومساعدتهم في السهر على شؤونها. لقد اعتاد المغاربة، على تخصيص ولي يتبركون به في كل مدينة من المدن أو قبيلة من القبائل، وحتى في الكثير من القرى. وهكذا، نجد أن أهل فاس مثلا يتبركون بالمولى إدريس، وأهل مراكش يتبركون بسيدي أبو العباس السبتي، وأهل مكناس بالشيخ محمد الهادي بنعيسى، وأهل سوس يتبركون بسيدي احماد أوموسى، وأهل تازة بسيدي عزوز، وأهل وجدة بسيدي يحيى، وغير ذلك من الأمثلة. احتضنت الدار البيضاء، مدافن لمجموعة من الصلحاء الذين كانت لهم مكانة مبجلة عند العام والخاص، وقد أقيمت على هذه القبور أضرحة، ضمنت استمرارها في ذاكرة الناس ووجدانهم، ومن هؤلاء الأولياء والصلحاء سيدي بليوط، الذي تحتل بناية ضريحه الزاوية الشمالية الشرقية من المدينة العتيقة للدار البيضاء، بمحاذاة المنفذ الذي يؤدي إلى الميناء، على الواجهة اليسرى لشارع أحمد الحنصالي الذي يحمل حاليا اسم “هوفييت بوانيي”. وقد ورد اسم الرجل في المراسلات والوثائق المخزنية الخاصة بالأوقاف المحبسة على الضريح بصيغة “أبو الليوث”، فأدى تداوله بين الناس مع توالي السنين إلى تحريفه إلى صيغة “بليوط”، التي أضحت اسم شهرة لهذا الولي الصالح عند البيضاويين، الذين بلغ عندهم من المكانة والتقديس درجة رفيعة، جعلت بعضهم يسمي أبناءه بهذا الاسم.
عبد المالك ناصري
تتمة المقال تجدونها في العدد 138 من مجلتكم «زمان»