تمكن عبد الرحيم بوعبيد من فرض اسمه، في وقت مبكر، في الحركة الوطنية، وكان أصغر الموقعين على وثيقة المطالبة بالاستقلال، قبل أن يطبع المشهد السياسي المغربي بميسمه الخاص.
في عشية ملبدة، التأم جمع حاشد من السياسيين والصحافيين والمثقفين، في مسرح محمد الخامس، لتخليد ذكرى 11 يناير .1991 توالت الخطب رتيبة، إلى أن صعد آخر متدخل، وهو عبد الرحيم بوعبيد، كان يرتدي معطفا شتويا. بدأ بصوت رخيم، ثم ما فتئ صوته يعتلي .سبح في ما قبل 11 يناير ممن خاضوا الكفاح في الجبال، إذ لم يكن هذا التاريخ منفصلا عن فترات سابقة من الكفاح خاضها الشعب المغربي. ثم لمَ الاحتفال بـ11 يناير؟ نعم نال المغرب استقلاله، ولكن هل الاستقلال تحرر؟ أليس هناك ورش لم يكتمل، ورش الدمقراطية؟ أخرج الخطيب الحضور من ذهوله. أنهى كلمته محيلا للسياق المدلهم في الخليج، وقد جيّشت الولايات المتحدة الجيوش لإحقاق “الشرعية الدولية“. أين هي الشرعية الدولية، حينما يتعلق الأمر بالفلسطينيين؟ الحرب هي من أجل البترول… تعالت التصفيقات للخطيب المِصْقع الذي لم يكن يقرأ نصا… لم يكن يدُر في خَلَد أي كان أن ذلك الخطاب هو آخر خروج علني لعبد الرحيم بوعيد، وآخر خطاب له.
في الدورة الخريفية للبرلمان سنة ،1991 أشاد الملك الحسن الثاني في مستهل خطابه بعبد الرحيم متمنيا له الشفاء. كانت الشهادة التي تحمل مصالحة. وهو ما أسفر عنه الملك الحسن الثاني في “مذكرات ملك“، عمّن اعتبره رجل دولة.
في 8 يناير ،1992 رحل عبد الرحيم، وشيعته مئات الآلاف، مما لم تعرفه جنازة قبلها. كان عبد الرحيم أكبر من سياسي، وأجلَّ من رجل دولة .كان ضميرا، وكان مثلما قال عنه الصحافي الفرنسي جان دانييل رجل سلطة ولو لم يكن رجل السلطة، شأنه شأن بييير مانديس فرانس.
حسن أوريد
تتمة المقال تجدونها في العدد 99 من مجلتكم «زمان»