إذا تم الحديث عن المسرح المغربي، فلا محيد عن استحضار أحد أعمدته، إنه المسرحي الكبير عبد الكريم برشيد، الذي يلقب بعميد المسرح الاحتفالي ومنظّره الأول .في هذا الحوار، نستحضر مع الأستاذ برشيد مراحل حياته المبكرة، وكذلك البدايات الأولى للمسرح المغربي عبر التاريخ، وصولا إلى مرحلة الاستعمار التي أضحى فيها يتسم بمسرح المقاومة. كما يحكي لنا الضيف عن التحولات التي طرأت على المسرح بعد استقلال المغرب، تأثرا بالموجات الإيديولوجية والسياسية في العالم، والتي أفضت إلى تشتت المشهد الفني والثقافي و”تشرذمه .”ويتحدث الأستاذ برشيد كذلك عن المسرحيات التي طالها المنع زمن إدريس البصري، وعن تدبير وزارة الثقافة للشأن المسرحي بين الأمس واليوم.
نستهل بداية هذا الحوار بحادثة مفجعة وهي انتحار المسرحي أحمد جواد قبل أيام، احتجاجا على أوضاعه المادية، ما هو تعليقك على هذه الحادثة الأليمة؟
هو حادث مفجع حدث، وكان من الممكن جدا ألا يحدث، لو تمت معالجة الحالة بشيء من التعقل والحكمة، ولكنه، وفي غفلة منا جميعا، حدث ذلك. ومتى كان هذا!؟ كان في يوم عيد المسرح وعيد المسرحيين في كل العالم. ولعل أسوأ الأشياء، هو أن يموت الإنسان يوم عيده ويوم عرسه، وأن يحزن كل الناس في يوم الفرح. وأين حدث هذا؟ حدث في مدينة الرباط، عاصمة الأنوار، وعند بوابة وزارة مهمتها هو أن ترعي المسرح والمسرحيين، وترعى شؤون الثقافة والمثقفين .ولقد حدث كل هذا في واضحة النهار، وأمام أعين كل الناس .وشخصيا، فإنني أعتبر أن هذا الحدث المأساوي هو مجرد عنوان خارجي فقط، هو عنوان على أن المنظومة المسرحية المغربية ليست بخير، وعلى أن بها اختلالات بنيوية كبيرة وخطيرة جدا، وهذا الأمر، يتطلب اليوم مراجعة عامة وشاملة لكل السياسة الثقافية بالمغرب، والتي هي الحلقة الأضعف في كل السياسات المغربية، في مختلف المجالات الأخرى.
إذا عدنا إلى بدايتك ونشأتك: أنت ابن مدينة بركان في الجهة الشرقية. كيف عشت طفولتك في سنوات الأربعينات والخمسينات داخل البيت، وكيف كانت الأوضاع مع الجيران الجزائريين؟
أبركان، وتعني بالأمازيغية: الأسود، مع أنها مدينة كل الألوان. لقد فتحت عيني فيها لأول مرة، والحرب العالمية الثانية مشتعلة، ووجدتها مدينة تتأسس، ورافقت نشأتها وتحولاتها، وشاهدت بساتين البركان تتحول إلى أحياء سكنية، هي مدينة شرقية/شمالية تقع في آخر المغرب، وذلك على مقربة من المنطقة الشمالية (الإسبانية) وغير بعيدة عن الحدود الجزائرية شرقا، قريبة جدا من النهر ومن البحر، وهي السهل الذي يقع أسفل جبال بني يزناسن. ولأن أرضها غنية وخصبة، فقد استوطنها مجموعة من المعمرين الفرنسيين، ونظرا لقربها من مدينة مليلية المحتلة، فقد استقر بها كثير من الإسبانيين الجمهوريين الفارين من فرانكو. كما تعايش على أرضها المسلمون واليهود والمغاربة والجزائريون، وكانت تتحدث بالعربية العامية وبالأمازيغية وبالفرنسة وبالإسبانية، ولقد كان لنا جيران من الفرنسيين ومن الإسبان ومن اليهود، بحكم أن بيتنا كان يقع وسط المدينة.
حاوره غسان الكشوري
تتمة الحوار تجدونها في العدد 115 من مجلتكم «زمان»