تعتبر محاكمة شهر يوليوز 1984 لعدد من الإسلاميين فيما عرف بـ”مجموعة 71” محطة بارزة في تاريخ الحركات الإسلامية المغربية، فقد أعلنت بشكل رسمي عن نهاية سنوات التغاضي والتساهل، بل والدعم والتوظيف، لتتوالى بعدها عدد من الاعتقالات والمحاكمات، قبل أن يمهد العفو الشامل الذي أصدره الراحل الحسن الثاني سنة 1994 لإدماج الإسلاميين رفقة اليسار في المشهد السياسي. في هذا الحوار، يعود المحامي عبد الله لعماري، أحد أفراد هذه المجموعة، والقيادي السابق بحركة الشبيبة الإسلامية على مستوى الدار البيضاء، عن هذه المحاكمة، وما كان قبلها من تفاعل بين الدولة والإسلاميين، كما يقف على الصراعات الداخلية التي تفجرت بعد مقتل بنجلون وفرار مطيع إلى خارج المغرب…
عرف شهر يوليوز 1984 أول محاكمة سياسية للحركة الإسلامية منذ نشأتها، فيما عرف بمجموعة 71 ، بعد سنوات من التغاضي عن التنظيمات الإسلامية ونشاطها، بصفتك واحدا من أفراد المجموعة هل يمكن أن تحدثنا عن حيثيات وظروف هذه المحاكمة وأسباب الاعتقال؟
بالفعل، كانت محاكمة يوليوز 1984 هي أول محاكمة سياسية في تاريخ الحركة الإسلامية المعاصرة، اشتهرت إعلاميا وحقوقيا بمحاكمة المجموعة الـ71، حوكم فيها 51 فردا حضوريا و20 فردا غيابيا، وصدرت فيها أحكام ثقيلة وغير مسبوقة في حجمها في تاريخ المحاكمات السياسية في المغرب، كان فيها الإعدام والسجن المؤبد والمدد الطويلة بالعشرين سنة والعشر سنوات وما دون ذلك.
كانت التهم الموجهة للمجموعة هي المؤامرة على النظام، والمس بأمن الدولة الداخلي، والاعتداء بتحريض الناس على حمل السلاح ضد سلطة الملك، وكانت الاعتقالات قد بدأت خلال سنة 1983، بقي المعتقلون ثمانية أشهر في المعتقل السري درب مولاي الشريف قبل إحالتهم إلى السجن شهر فبراير .1984 فلم يكن في الوارد قرار المحاكمة، ولكن الأحداث التي اندلعت شهر يناير 1984 وانتفاضة مراكش والناظور والدار البيضاء، وغضبة الحسن الثاني في خطابه الشهير الذي اتهم فيه الموساد والخميني بالوقوف خلف اندلاع الأحداث، كل ذلك عجل بإحالة المعتقلين الإسلاميين القابعين في درب مولاي الشريف، منذ شهور، على المحاكمة، فانطلقت سلسلة من المحاكمات في عموم البلاد على خلفية أحداث يناير ،1984 واختتم بها محاكمة الإسلاميين في يوليوز ،1984 في سياق سياسي احتسبت فيها المحاكمة على الأحداث، مادام الخطاب الملكي كان قد أشار إلى ضلوع إيران الخميني في هذه الأحداث، وكان هذا الخلط في الأمور يعكس ارتباكا كبيرا وترددا كبيرا في قرار النظام السياسي محاكمة الإسلاميين، لأنها سابقة في علاقة النظام بالحركة الإسلامية.
من الواضح أنك تعتبر المحاكمة حدثا هاما في تاريخ المغرب المعاصر، أين تتجلى برأيك هذه الأهمية؟
فعلا، الحدث كان هاما واستراتيجيا في رسم التحولات الكبرى التي ستعرفها المملكة في التحكم وتدبير التطورات السياسية والاجتماعية، والتي ستكون الحركة الإسلامية في صلبها، ومحاكمة يوليوز 1984 كانت مهمة لأنها هي التي ستمهد الطريق لمسار جديد للحركة الإسلامية في تغيير أفكارها وتصوراتها السابقة، وستمكن الدولة من إعداد السياسات كي تقطع الحركة الإسلامية المراحل التي ستوصلها إلى أن تصبح حزبا سياسيا هو حزب العدالة والتنمية، بعد تغيير بنيتها التنظيمية، وتغيير مركز الثقل والنفوذ والقيادة من الدار البيضاء إلى الرباط، وتغيير نخبها وتنصيب النخب الجديدة بدعم من الاستراتيجية الأمنية والسياسية التي ضيقت السبل على الدار البيضاء وضايقت أبناءها، في حين أفسحت المجال لعناصر الرباط. ومكنت هذه الاستراتيجية من السلوك بهذه النخب الجديدة في مراحل ترويضية وتطويعية وتطهيرية من كل ما يمت إلى الماضي بصلة. فكانت هذه المراحل تباعا هي تحول الحركة وتنظيمها إلى جمعية هي جمعية الجماعة الإسلامية، ثم أصبحت جمعية الإصلاح، والتجديد، ثم التوحيد والإصلاح، ثم مزيدا من الترويض والرعاية بواسطة الدكتور الخطيب في حزب الحركة الشعبية الدستورية فحزب العدالة والتنمية.
حاوره عبد الوهاب رفيقي
تتمة الحوار تجدونها في العدد 138 من مجلتكم «زمان»