وجدت فاطمة بن عطية الأندلسي نفسها وسط عالم المقاومة. ربما لم تخطط لذلك، لكنها فتحت عينيها على أحداث رسخت في ذاكرتها صورة سيئة عن الاستعمار .اعتقال أفراد من عائلتها والقمع “والحگرة ..”كلها عوامل دفعتها وهي ابنة الثلاثة عشر سنة للمشاركة في مجموعة من العمليات خلف أسوار المدينة العتيقة بفاس. كُلفت المراهقة حينذاك بمهام عرفت جيدا كيف تنجح فيها، وهي إخفاء السلاح الذي يتم به قتل الخونة وجواسيس الاستعمار، كما وصفتهم. في هذا الحوار، تكشف الأندلسي عن جانب من المقاومة في فاس، وبالخصوص، المقاومة في صفوف النساء، وعن الأعضاء الذين كانت تتعامل معهم، وعلاقتهم بمنظمة اليد السوداء.
ماذا تختزن ذاكرتك عن فترة الاستعمار والظروف السياسية والاجتماعية التي كانت تدور حولك؟
منذ طفولتي وأنا أكره الاستعمار، فقد تسبب بسجن عمي العربي لمدة سنتين، ففهمت بعد ذلك أن الاستعمار الفرنسي هو السبب. كانت عائلتي، حينذاك، تتحدث عن الاستعمار، فترسخت في ذهني، وأنا طفلة في السادسة، فكرة مقيتة عن المستعمِر .وازداد هذا الحقد حينما بدأت أدرس في المدرسة الابتدائية “العدوة“ للبنين والبنات، حيث كان يدرسنا معلمون فرنسيون، باستثناء أستاذ للتربية الإسلامية .لكن معاملتهم لنا كانت تنم عن احتقار دفين «كانوا كيحگرو علينا»، وكانوا ينظرون إلينا بدونية، إلا القليل منهم من كان يعاملنا بطيبة. كان المناخ العام يتسم بالقمع، فلم يكن مسموحا لأزيد من اثنين أن يتحدثوا في الشارع دون أن يتم إيقافهم، كانت أعين جواسيسهم منتشرة في كل مكان، بالنسبة لهم، فأي اجتماع بين اثنين ما هو إلا مؤامرة تحاك ضد فرنسا! كما لم نكن نعيش أجواء المناسبات بأريحية، فكنا نحضر المناسبات في خفاء. وأذكر أن مجموعة من أفراد عائلتي كانت لديهم أراضي في طريق مكناس، وبعد أن دخل الاستعمار واستولى على أراضيهم، صارت تلك الأراضي تستغل لزراعة العنب من أجل إنتاج الخمر في معاملهم الحديثة. وكخلاصة، ترك الاستعمار في ذاكرتي صورة قبيحة.
هل انخراط أعمامك ووالدك في المقاومة هو من شجعك على اختيار المسار نفسه؟
ما حركني أساسا هو الشعور بالقمع، فكلما انفجر حدث ما، إلا وأغلقوا الأحياء علينا بحثا عن أي وطني لاعتقاله. كنا نعيش جوا من الرعب، وخصوصا أن عمي العربي وعمي محمد ووالدي عبد الكريم أيضا كانوا من هؤلاء .حتى الجيران، كلما سجن رب الأسرة، كان يخلف وراءه زوجة وأبناء في حالة من التشرد.. وهو الأمر الذي كان يحز في قلبي .لكن لحسن الحظ، كان هناك نوع من التضامن الاجتماعي، فإذا دخل أحدهم السجن، كان الجيران يتكفلون بإعالة أسرة السجين، “لقمتك يجب أن تقسمها مع جارك“، كما عشت وأنا طفلة معاناة عام الجوع، بسبب مخلفات الحرب العالمية الثانية، وما تسبب ذلك من معاناة لنا.. فلم يكن أمامنا سوى الانخراط في الاحتجاج والمقاومة.
تتمة الحوار تجدونها في العدد 113 من مجلتكم «زمان»