بعد سنين من العمل والصرامة السياسية والدبلوماسية، انتقل المغرب اليوم إلى مرحلة جديدة في قضية سيادته على الصحراء الجنوبية. والسبب هو الاعتراف الرسمي لفرنسا بمقترح الحكم الذاتي.
تتبع المغاربة، كما الفرنسيون، أطوار الانتخابات التشريعية الفرنسية التي جرت ما بين شهري يونيو ويوليوز، بتأن وترقب. وبالإعلان عن نتائجها، تملكتهم آمال من أجل المضي قدما لحلحلة أهم “عائق” يحدد صدق العلاقة بين المغرب فرنسا، هو مشكل الصحراء الجنوبية. بعد أسبوع من انتهاء الانتخابات التي كسبتها “الجبهة الشعبية الجديدة“، بقيادة جون ميلانشون، المزداد بطنجة والعاشق للمغرب، وبمناسبة احتفال فرنسا بعيدها الوطني، يوم 14 يوليوز، بعث العاهل المغربي إلى الرئيس الفرنسي رسالة تهنئة و“تذكير” بطبيعة العلاقة بين البلدين إذ قال له: «إني لعلى يقين أن المغرب وفرنسا، وبفضل ما يحدونا من حرص مشترك، سيمضيان قدما في إثراء روابط الصداقة العريقة التي تجمعهما، بروح من الحوار والثقة والتقدير المتبادل، وسيكونان قادرين على استيعاب أهمية الآفاق الواعدة التي تتيحها العلاقات الثنائية، وبناء شراكة مرجعية في القادم من السنوات» .بالفعل، هنا يعول الملك على القادم من السنوات، وليس الأيام فقط .كما أكد في ذات الرسالة أنه يعول على الالتزام الشخصي للرئيس «من أجل أن تأخذ هذه الشراكة بعين الاعتبار المصالح المهمة لبلدينا» .إلى هنا تبدو الأمور على طبيعتها، فالبلدين وباعترافهما، تجاوزا الأزمة الديبلوماسية التي عصفت بهما قبل سنتين، لكن وبعد الإعلان عن نتائج الانتخابات، بدت تلوح في الأفق آمال اعتراف صريح من الإليزيه، ومن الرئيس نفسه بصحراء المغرب، لا سيما بعد تقاطر الدول الكبرى في السنوات الأخيرة واعترافها بمقترحات المغرب: كالولايات المتحدة وألمانيا وهولاندا وإسبانيا ودول أخرى. وقد بلغت مشاورات كواليس المطبخ الدبلوماسي الفرنسي إلى الآذان الجزائرية، فاستبقت الحدث واستنكرت وزارة خارجيتها ما تنتوي فرنسا فعله في قادم الأيام. وبالفعل تحقق الكابوس المرعب للجزائر بعد أيام من بلاغها؛ إذ استغل الرئيس الفرنسي، إمانويل ماكرون، الذكرى الـ25 لاعتلاء الملك عرشه، وبعث إليه برسالة اعتراف رسمي، نشرها الديوان الملكي، يؤكد فيها أنه «بالنسبة لفرنسا، فإن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية يعد الإطار الذي يجب من خلاله حل هذه القضية» .وقال مضيفا: «إن دعمنا لمخطط الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب في 2007 واضح وثابت». ماكرون أكد بدوره أن اعتراف الدول بسيادة المغرب على صحرائه أضحى يتسع أكثر فأكثر بين دول العالم، ولهذا شدد في ذات الرسالة أنه: «حان الوقت للمضي قدما. وأشجع، إذن، جميع الأطراف على الاجتماع من أجل تسوية سياسية، التي هي في المتناول».
بعد تحول قضية الصحراء إلى نظارة ينظر بها المغرب إلى العالم، ومعيارا «يقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكات»، كما قال الملك في خطابه سنة ،2022 وبعد سلسلة من التجاذبات الدبلوماسية بين البلدين، أكدت فرنسا اليوم، على لسان رئيسها، أن موقفها ثابت حول القضية المرتبطة بالأمن القومي للمملكة. وأن «حاضر ومستقبل الصحراء الغربية يندرجان في إطار السيادة المغربية». ولكل هذا تعتزم الجهورية الفرنسية، العضو الدائم لدى الأمم المتحدة، «التحرك في انسجام مع هذا الموقف على المستويين الوطني والدولي».