شكلت الهجرة إلى فرنسا إحدى الوسائل التي نهجتها الإقامة العامة من أجل التغلغل في المغرب بشكل يسير. فقامت بتجنيد المغاربة في الحربين العالميتين، طوعا وكرها، ومنحت آخرين عروض عمل لتحسين ظروف عيشهم.
منذ احتلالها المغرب سنة ،1912 أدركت فرنسا أنها بحاجة لإفراغ المغرب من كل خطر يهدد وجودها وتوسعها، وذلك بالتركيز على الظروف الداخلية للبلاد، فكانت الهجرة أو التهجير أحد مرتكزاتها الأساسية. وقد عبّر عن هذا التوجه المقيم العام الأول ليوطي بقوله: إن «عملية تهجير مغربي إلى فرنسا هي إزاحة لبندقية كانت موجهة ضدنا».
يوضح الباحث خالد أوعسو، في أطروحته حول هذا الموضوع، أن الإقامة العامة الفرنسية أدركت أن «عملية إخضاع المغرب تتطلب جهدا أكبر وأموالا طائلة. لذلك، جرى التركيز على تمهيد السبل لإفراغ القبائل من رأسمالها البشري، ولا سيما الرجال القادرين على وقف الاختراق الفرنسي للمجال الجغرافي المغربي». ورغم أنها اتخذت سياسة أطلقت عليها “التهدئة“ كتكتيك سياسي وعسكري للتغلغل والهيمنة بشكل سلس، إلا أن فرنسا اعتمدت كذلك على «تدمير أسس البنى الاقتصادية والاجتماعية للأشكال القبلية، لتعويضها بالاقتصاد الرأسمالي».
اعترف الفرنسيون أن تجربتهم في الجزائر كانت مفيدة لهم لعدم تكرار أخطائهم في ما يخص استعمار الأرض، والسيطرة على الموارد الاقتصادية. لذا، ركزوا هذه المرة على بناء مستوطنات للفرنسين واستقدامهم من فرنسا ومنحهم أراضي مغربية بعد طرد أصحابها. كان عدد السكان في سنة 1926 بالمنطقة الفرنسية بالمغرب يبلغ أزيد من 4 مليون ومائتي ألف فرد، ضمنهم أزيد من 96 ألف نسمة من الأوربيين، بينهم غالبية كبرى من الفرنسيين تقدر بحوالي 66.223 فرنسيا؛ أي ما يمثل 1.6 بالمائة من مجموع السكان بتلك المنطقة. اعتمدت فرنسا في سياسة الاستيطان على الاستيلاء على الأراضي، فارتفع عدد المعمرين وأخذ في الازدياد مع توالي السنين.
غسان الكشوري
تتمة المقال تجدونها في العدد 93 من مجلتكم «زمان»