خلخل نظام الحماية نمط فن العيش في أكبر المدن المغربية، وساهمت التحولات الاقتصادية والاجتماعية في تأطير سياسات المجالات الحضرية.
أحدث الاحتكاك الحضاري المباشر بين المغرب وفرنسا، خلال النصف الأول من القرن العشرين، عدة نتائج شملت مختلف المجالات، الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، في سياق التأثير والتأثر، مما أفرز عدة عوامل أثرت بشكل كبير في التطور الذي عرفته المدن المغربية، خاصة على مستوى التعمير الذي شكل الوعاء الذي تنعكس فيه مختلف التأثيرات، حتى إن التحولات الاجتماعية والاقتصادية كانت الموجه الأساسي لأي سياسة وأي تنظير وتخطيط في هذا المجال. الحديث عن هذه التحولات يفضي بالدرجة الأولى إلى الحديث عن العنصر البشري المكون للساكنة والمجتمع ككل، فنتائج الدراسات التي أنجزت على مكونات المجتمع المغربي قبل وإبان فترة الحماية، كانت هي الموجه لمختلف التصورات التي نظرت للتعمير بالمغرب في مختلف مخططاته وتصاميمه العمرانية. فدراسة الحركات السكانية بمكوناتها الإثنية وأصولها الجغرافية، تدفع إلى الوقوف على السياق المجالي والجغرافي الذي حدد تطور المدن وعلى حجم مشاكل التهيئة، التي واجهت التيهييء الحضري، وكيفية معالجتها على مستوى التصاميم الحضرية وعمليات الإعداد وكذلك الوظائف الحضرية، وبالتالي نمط العمارة وطبيعة معمارها. وهكذا تم تحديد نوعية الأحياء السكنية، ومسألة بنائها وفق الشرائح الاجتماعية القاطنة بها. أثرت الساكنة الأوربية، رغم صغر حجمها مقارنة بالساكنة المغربية، بعمق في التخطيط الحضري وتشييد المدن المزدوجة، في حين أدى تزايد الساكنة الحضرية المغربية واختلاف أصولها الجغرافية إلى تحول أنماط السكن المحلي، والخروج عن الإطار التقليدي في إعداد وتدبير المجال الحضري للمدن المغربية الأصيلة. تضافرت العوامل والأسباب التي سمحت بالتطور الديمغرافي لساكنة المغرب الحضرية، منذ بداية الحماية، إذ ارتفع معدل الولادات وتراجعت نسبة الوفيات بسبب التطور الملحوظ في الجانب الصحي بالمدن على أوجه الخصوص، وانتقل الاقتصاد المغربي من اقتصاد المعاش المعتمد على الفلاحة بالأساس، حيث كانت الساكنة القروية تساهم فيه بنسبة 90 في المائة، إلى اقتصاد شبه عصري، و ظلت الساكنة الحضرية تمثل العشر في ظل اقتصاد رأسمالي حامل لمقومات العصرنة، مما أدى إلى الرفع من هجرة السكان نحو المدن. وهو ما عبر عنه إيكوشار بالقول: «التحولات الاقتصادية الجديدة بالمدن جلبت ساكنة القرى وخصوصا الفقيرة للعمل بالمدن، وتحملت معها عاداتها في السكن والتساكن إما متزاحمة داخل البيوت في المدن الأصيلة أو الاستقرار بضواحي المدن الكبرى داخل النوالات وأشكال الخيام أو السكن داخل البراريك».
رشيد بنعمر
تتمة المقال تجدونها في العدد 27 من مجلتكم «زمان»