لم يألف المغاربة أن يمر عام عليهم دون أن يعيشوا أجواء الحج وما يعقبه. وفي سنوات غابرة منع الحج لأسباب تتعلق بأوضاع المشرق. لكن ماذا عن تعطيل الحج وإلغائه بقرار مغربي، وماذا عن فرض الحجر الصحي على الحجاج قبل دخولهم المغرب؟
حدث هذا في القرن التاسع عشر، عندما قام المخزن في عهد المولى عبد الرحمن في سنة 1828 بمنع الحج لأسباب تتعلق بالخوف من نقل الأوبئة وانتشارها في المغرب. وقد تزامن موسم الحج مع فصل الشتاء، حيث يتخوف من انتشار الأمراض بشكل يعرض السكان للتهلكة. (ومنع الحج أيضا سنة 1832، لكن لأسباب تتعلق بالحرب الشهيرة آنذاك بين العثمانيين والمصريين).
ولمنع دخول الوباء إلى المغرب، اقترح المجلس الصحي بطنجة، الذي كان بمثابة دركي صحي بالمراسي المغربية، على المولى عبد الرحمان بضرورة الاهتمام بالنظافة وبما ينقله الحجاج إلى داخل المغرب. فأصدر السلطان أوامره “ألا يدخل لمراسينا السعيدة ما كان من ثياب اللباس قديمة.. وحوائج الفراش.. وغير ذلك مما يمكن أن يكون مكمونا فيه رائحة المرض ويعود بالضرر ويكون مظنة ذلك”.
واستمر الاهتمام بنظافة الطرقات والوافدين إلى الإيالة الشريفة كل سنة. فمثلا في العام 1844، أقيم الحج لكن بشروط، إذ بعث السلطان إلى قائد تطوان يأمره بتطبيق اقتراحات المجلس الصحي؛ وهي ألا يسمح بنزول السفن في المغرب قبل الخضوع لأعمال الكرنتينة، (أي الحجر الصحي)، ولم يسمح باستقبال بأي حجاج دون تطبيق الحجر عليهم.
أما في عهد المولى عبد العزيز، وبعد انتشار وباء الكوليرا في المشرق ووصوله إلى المغرب سنة 1895، اتخذ المجلس الصحي إجراءات أكثر حدة وصرامة ضد الحجاج والعائدين من الحجاز. وبعد سنتين، أي 1897، بلغ المخزن أخبار عن الطاعون الذي ضرب المشرق، فاضطر السلطان عبد العزيز إلى تعطيل مناسك الحج تلك السنة، بعد استثارة الفقهاء والعلماء، حفاظا على سلامة المغاربة.