مثل باقي الشعوب والحضارات، عرف المغرب استعمال الذهب في طقوسه وعاداته ومبادلاته التجارية والاقتصادية، بل خاض حروبا من أجله. كما اكتسبت بعض المدن المغربية شهرة واسعة بفضل رواج الذهب بأسواقها. ما هي حكاية هذا المعدن النفيس إذن ؟
ظل الذهب، على امتداد قرون طويلة، معدنا يحظى بمكانة كبيرة لدى شعوب العالم القديم. ونظرا لخصوصيته وندرته ولونه كذلك، نسجت حوله حكايات وأساطير، وتحول في فترات لاحقة إلى وسيلة للتبادل والمقايضة وعملة نقدية، كما قامت بسببه حروبٌ ومعارك. لهذا، اعتبر الذهب معدنا فاعلا مؤثرا في حركة المجتمعات وذهنية الشعوب. ارتبط الذهب لدى المجتمعات المبكرة بعدة معتقدات، منها عقيدة الخلود؛ فبسبب خصائصه المعينة التي تجعله قادرا على الصمود في وجه الزمن ومقاوما للتشوه، أضحى رمزا للحياة الأبدية، فتحول لدى البعض إلى عنصر يلازم الموتى في مدافنهم، مجسدا «لحظة الوداع الأخير« وعونا لهم في طلب الخلود؛ فعند المصريين القدامى، كان الذهب «يُصب على شكل أصنام أو يُطرق على شكل رقائق معدنية لصنع أقنعة للموتى» .وعند شعوب أخرى، «يلقى في الأنهار والبحيرات المقدسة طلبا للبركة والقبول» .لهذا، وعبر عصور متباينة، سعى الكيميائيون جاهدين لامتلاك أسرار هذا المعدن النفيس. كما أن الحديث عن صناعته وتدوين أخبار عنه ظل نادرا. ومثلما نسجت حول الذهب الأساطير وارتبط بالمؤله والمقدس عند المصريين وغيرهم من السومريين والإغريق، فإن الكتب السماوية لم تخل هي الأخرى من استحضار قيمته في الدنيا والآخرة؛ فعلى سبيل المثال، بشّر القرآن المؤمنين بأساور من ذهب عند دخول الجنة. ورمز الذهب ولونه المشع في الكتاب المقدس إلى النقاء وإلى مجد الرب. في المغرب، لم يختلف الأمر عن باقي الشعوب والحضارات، ففي الأساطير الأمازيغية تعددت الحكايات والمعتقدات عن الذهب، منها ما ارتبط بنشأة الكون وبداية الخلق، حسب ما أورد لونيس بنرجدال في دراساته. وعلى الرغم من أن الفضة استعملت أكثر في الزينة والحلي عند الشعوب الأمازيغية، لكن ذلك – حسب جين دوسيل – لم يمنع تواجد الذهب في حليهم ومجوهراتهم. أما استعماله المبكر في التداول النقدي، فتشير المصادر إلى أن الذهب كان قليل الاستعمال والتداول؛ فخلال حكم جوبا الثاني على سبيل المثال، لم تصدر العملة الذهبية «إلا نادرا أو في مناسبات استثنائية، نذكر منها الأوريوس الذهبي الفريد الذي ضرب بمناسبة زواج جوبا الثاني بكليوباترا سيلينا حوالي سنة 19 ق. م».
غسان الكشوري
تتمة المقال تجدونها في العدد 131/130 من مجلتكم «زمان»