أسهم موقع الأندلس ووجود أجناس مختلفة، من إسبان وأمازيغ وعرب، وأتباع الديانات الثلاث في توفير تربة ملائمة لتثاقف هؤلاء وتلاقح أفكارهم، لتكون النتيجة ظهور فسلفة عقلانية تفصل بين المقدس والعقل بخيط رفيع، دون إحداث ضجة أو شرخ بينهما .يأخذكم هذا الملف، الذي تقترحه عليكم مجلة ”زمان” في رحلة إلى هذا التراث الإنساني الذي أنتجه هؤلاء الفلاسفة أو هؤلاء الأساطين الذين أثْروا وأثَّروا في التراث الأوربي والغربي. هنا، ننتقل مع ابن باجة، الذي جمع، في كتابه ”تدبير المتوحد”، بين اللاهوت والفلسفة. ومع ابن طفيل صاحب الرواية-التحفة ”حي بن يقظان”، وأيضا مع ابن ميمون الذي حاول بناء معرفة منطقية لا تنفي ما جاء في التوراة .كما نسافر مع الشاعر ابن عزرا الذي جمع بين التوراة والفلسفة والآداب اليهودية، واستعار، في بعض أشعاره، آيات من القرآن. ننتقل، كذلك، في رحلة مع عدد من متصوفة الفلاسفة، الذين قطعوا مع نظرائهم التقليديين، وأسسوا لمذهب عقلي يقوم على نظريات الفلسفة اليونانية وأفكار علم الكلام. هنا، نعود، معا، إلى مرحلة من تاريخ الأندلس كانت من أهم سماتها التوادد، أو التعايش، الذي كان له دور كبير في إنتاج ذلك الفكر العقلاني…
أدت حركة الترجمة على عهد المأمون العباسي إلى احتكاك المسلمين بالفكر اليوناني، وبغيره من المدارس الفكرية والفلسفية، خصوصا مع توسع الإمبراطورية الإسلامية، والاختلاط بمختلف الأجناس من الروم والفرس والهند. ذلك ما جعل الفكر الديني في شقه العقدي يتأثر بعدد من الفلسفات الوافدة كالأفلاطونية والغنوصية والهرسمية، والأديان السابقة كالمسيحية والبوذية والزرادشتية. وكان من نتيجة ذلك ما وقع من مزج بين بين هذه المشارب الفكرية ومختلف المعارف والمذاهب الإسلامية. وقد كان للتصوف، بمعناه التقليدي من زهد وانقطاع عن الدنيا، نصيب من هذا التأثر. فبعد أن كان مجرد نوع بسيط من التأله، انتقل مع هذا الاحتكاك من ممارسة وسلوك إلى نظريات ومذهب عقلي، مع تعبيرات واصطلاحات تنتمي إلى الفلسفة وعلم الكلام أكثر ما تنتمي إلى التصوف التقليدي، وهذا ما عرف بالتصوف الفلسفي. ورغم محاولة البعض العودة بأصول هذا الصنف من التصوف إلى القرون الأولى للإسلام، مع رابعة العدوية والحسن البصري ومالك بن دينار، إلا أنه لم يبلغ مرحلة النضج وظهور المعالم الأساسية، والاستقلال بنفسه كمذهب خاص ضمن المدرسة الصوفية، إلا مع متصوفة الأندلس، وما أنتجوا من نظريات في هذا الباب. فما المقصود بالتصوف الفلسفي؟ وما الفرق بينه وبين التصوف التقليدي؟ وما هي أبرز مظاهره بالأندلس؟ ومن هم أشهر أعلامه بالأندلس؟
هيئة التحرير
تتمة المقال تجدونها في العدد 105 من مجلتكم «زمان»