ما الذي يجعل من ابن باجة رائد الفلسفة العقلانية و”مؤسسها” في الأندلس والمغرب؟ ولماذا تصنف فلسفته بأنها فلسفة مغربية خالصة، لا تلتقي مع فلسفة المشرق؟ هذه إضاءة وبعض الإجابات.
على الرغم من أن عصر المرابطين في القرن 11م، كان عصر فقهاء أكثر منه عصر أدباء ومفكرين، إلا أنه مع بداية أفوله سيعرف انفتاحا تجاه الفكر والفلسفة، لا سيما في عهد أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين، فبرزت أسماء أضاءت سماء الفكر، وأرست قواعد الفلسفة الأندلسية–المغربية، أبرزهم أبو بكر بن الصائغ، المعروف بابن باجة. لم يكن ابن باجة رجلا عاديا في بيئة تتنافس فيها الأقلام ويكثر فيها العلماء، إذ برز ومهر في علوم شتى، منها: الأدب والطب والفلك والموسيقى والفلسفة. هذه الأخيرة كتب فيها بشكل ينفرد ليس فقط عن أهل بلده، بل عن “منبعها“ المشرقي، فأصبح “مؤسسا لفلسفة عقلانية مغربية“ تنافس ما برزت فيه الفلسفة الإسلامية بالمشرق.
إلا أن فلسفته تلك، جلبت عليه خصوما كالوا له المكائد، وظلوا في مسعاهم حتى أطاحوا به وأردوه مسموما وهو لم يكمل عقده الخامس بعدُ .كتب ابن أبي أصيبعة في “عيون الأنباء“ ترجمة عنه، جاء فيها أن ابن باجة كان «علامة وقته وأوحد زمانه.. وذا ثقابة ذهن». وقد أنبت منهجه فلاسفة من بعده، أبرزهم ابن طفيل وابن رشد وابن ميمون.
عاش ابن باجة بالأندلس في سرقسطة نهاية القرن 11 للميلاد، وذاع صيته إلى أن بلغ بحاكم سرقسطة ابن تافلويت أن جعله في بلاطه وزيرا، كما تقول الأخبار .لكن أوضاعه لم تستقر هناك نتيجة اضطراب أوضاع الحكم، فترك سرقسطة وتوجه إلى إشبيلية يشتغل في التدريس والتأليف، فزادت شهرته وانتشرت آراؤه، وكثر بسببها أعداؤه. فاضطر إلى السفر إلى فاس، حيث نال رضا ابن تاشفين وجعله أيضا وزيرا وطبيبا في بلاط الدولة المرابطية، لكن كانت هذه محطته الأخيرة.
غسان الكشوري
تتمة المقال تجدونها في العدد 105 من مجلتكم «زمان»