اختار المغاربة بعد دخول الإسلام للمنطقة مذاهب فقهية مختلفة، فكانوا تارة أتباعا لمذهب أبي حنيفة، وأخرى على مذهب الأوزاعي، وظاهرية لبعض الوقت، فضلا عن المذاهب الخارجية التي كان اختيارها مرتبطا بالتمرد على ظلم ولاة الأمويين وقادتهم. ولم يعرف المذهب المالكي طريقه إلى المغرب إلا زمن الدولة الإدريسية، خلال القرن الثاني الهجري، بفضل الفقهاء والتجار الذين استقدموا المذهب من أصل منشئه بالمدينة المنورة، حيث كان مالك بن أنس يدرس الموطأ ويؤسس لأصول المذهب. إلا أن تحول هذا الاختيار لمذهب رسمي لم يكن إلا زمن الدولة المرابطية خلال القرن الخامس الهجري، وذلك رغبة منها في توحيد السياسية الدينية وضمان الاستقرار السياسي، ولهذا قام المرابطون بدعم فقهاء المالكية ونشر التعليم الفقهي في المساجد والزوايا والمدارس. لم يدم هذا الاختيار الرسمي طويلا، فمع وصول الموحدين للحكم خلال القرن السادس الهجري، تعوض المذهب وفقهاؤه لحملة شرسة من طرف الحاكمين الجدد، أحرقت معها كتب المالكية، وتبنت فيها الدولة المذهب الظاهري، ولم يستعد المذهب المالكي قوته إلا مع ضعف الدولة الموحدية ووصول المرينيين إلى الحكم. أعاد المرينيون للمذهب المالكي مكانته في القضاء والتعليم، وأصبح منذ ذلك اليوم مذهبا رسميا غير قابل للتفاوض، مع كل الدول التي تعاقبت على حكم المغرب، حيث أصبح جزءا من الهوية الدينية والثقافية للمغاربة، خصوصا مع ما يعرفه من غنى في الأصول والمصادر، تجعله يستوعب كل النوازل والحوادث المستجدة.
أي نتيجة
View All Result