سجل الأمازيغ حضورهم المبكر في مدن إسبانية وبرتغالية ما تزال تحمل أسماءهم إلى الآن. فمنذ القرن 8م، انطلقت هجرات واسعة من المغرب ولم تتوقف إلا بعد قرون طويلة. “زمان “تتبع الخطوات الأولى لاستقرار الأمازيغ بالأندلس، فضلا عن أدوارهم السياسية والحضارية.
خلال القرن الثامن للميلاد، أسهم الأمازيغ بحكم دُربتهم على القتال والانتظام في إيصال جيوش المسلمين إلى الضفة الإيبيرية، وأسسوا معهم حضارة ما تزال معالمها قائمة. لكن وقبل التعرف على مسارهم هذا، لنلقي نظرة على وضع إسبانيا قبل أن تصلها ما سمي بـ“الفتوحات الإسلامية“. مع بداية تقهقر الدولة الرومانية في القرن الخامس للميلاد، ظهرت لدى قائد القوط الغربيين ألاريك نزعات نحو الحكم والتوسع، فاتجه صوب “هسبانيا“ “إسبانيا“ واستطاع إحكام قبضته على جزء منها، وذلك بعد إزاحته للوندال (الذين أخذ عنهم العرب اسم الأندلس نسبة إلى إقليم “بايتيكا“ الذي كان يسمونه “فاندالوسيا“). وفي السنة التي سقطت فيها روما عام 476م، «استقل القوط الغربيون بإسبانيا وأعلنوا أنفسهم ملوكا غير تابعين لأحد، وكان زعيمهم يوريك قد اتخذ فعلا لقب الملك قبل ذلك بنحو تسع سنوات».
يورد المؤرخ حسين مؤنس، في كتابه “فجر الأندلس“، أحوال الجزيرة الإيبيرية قبل عمليات “الفتح“، ويقول إن دولة يوريك أصبحت تمتد من أقصى الهضبة الفرنسية الوسطى إلى طرف إسبانيا الجنوبي، وحكم شعبين كبيرين: هما الغاليون الرومان، والإسبان الرومان، واتخذوا طليطلة عاصمة لهم بحكم حصانتها الجغرافية.
بعد ذلك، تخللت دولة القوط حروب ونزاعات أهلية أضعفت من قوتها طوال عقود مديدة، لا سيما بعدما تحولت إلى دولة كاثوليكية تتعصب لاختيارها الديني الرسمي. وتطرح بعض المصادر روايات تدعي أن يهود إسبانيا الذين اضطهدهم حاكم القوط (غيشطه) راسلوا أمازيغ إفريقيا، حتى قبل وصول العرب المسلمين إلى المغرب. يفند حسين مؤنس صحة هذه الرواية، ويدلل أن الأمازيغ حينها، بالتحديد زمن الحاكمة ديهيا، كانوا منشغلين بمقاومة جيوش حسان بن النعمان، لكن هذا لا يمنع من إمكان حدوثها.
غسان الكشوري
تتمة المقال تجدونها في العدد 120 من مجلتكم «زمان»