اختار بعض المغاربة، فقراء وأغنياء على السواء، في العصر الوسيط، الاشتغال في مجال الكيمياء. وعمل عدد منهم على تحويل المعادن الخسيسة إلى معادن نفيسة، ومنهم من زور العملة. وقد وجدوا معارضة كبيرة من طرف الفقهاء والمتصوفة، وهناك من أفتى بقطع يد الكيميائي.
تعددت أصناف المشتغلين بالكيمياء وتنوعت. وما دام أن أهم دافع للاشتغال بها كان هو تحصيل الثروة، كما سيتبين، فقد اهتم بها الفقراء. ومعلوم أن الفقر كان منتشرا في مغرب العصر الوسيط، وكانت حدته تتضاعف إبان الأزمات الاقتصادية والكوارث الطبيعية وما أكثرها. لكن يصعب الربط الميكانيكي بين الفقر وتعاطي الكيمياء، ذلك أن بعض الأغنياء تعاطوا بدورهم هذه الصنعة ومنهم بعض رجال السلطة الذين ولعوا بها.
فقراء وأغنياء
لا يمنع التصنيف المادي لممارسي الكيمياء من تصنيف آخر لمكونات اجتماعية تعاطت لها، يمكن إدراج بعضها ضمن الفقراء والبعض الآخر ضمن الأغنياء. ومن هذه المكونات، المنخرطون في عالم الصوفية من صلحاء ومريدين. فقد تواترت شهادات عدة، على مدى زمني طويل، على تعاطي العديد من مريدي الصوفية للكيمياء، ولعل أغلبهم كانوا فقراء ماديا. ومن الصلحاء الذين يحتمل تعاطيهم للكيمياء الولي أبو العباس السبتي، وأبو الحسن الشاذلي في بداية أمره، ومحمد بن العَنَّابي. ويتحول ترجيح اشتغال بعض الصوفية بالكيمياء إلى تأكيد، فثمة إشارة إلى أن الصوفي عمر بن مودود بن عمر الفارسي البخاري المكنى أبا البركات عَمِلَ بالكيمياء. ولقد اعتبر هذا الصنف من الأولياء تعاطي الكيمياء هبة من لله، ولا نستبعد أن تعاطيهم لها كان محاولة منهم لإضفاء طابع ديني على هذه الصنعة.
محمد ياسر الهلالي
تتمة المقال تجدونها في العدد 82 من مجلتكم «زمان»