أدى الاقتتال بين سلاطين السعديين في نهاية عهدهم إلى ظهور زعامات محلية، تحولت من طبيعتها الدينية والقبلية إلى زعامات متمردة تتطلع للاستحواذ على العرش، من بينهم الدلائيين الذين وجدوا أنفسهم أمام متمردين آخرين طامحين للسلطة.
منذ اعتلاء السعديين سدة الحكم بالمغرب، لم يهدأ لهم بال بسبب النعرات والاضطرابات التي حامت حول حكمهم .ورغم ما حققه أبناء محمد الشيخ في معركة وادي المخازن، ومحاولة المنصور الذهبي إقرار الأمن وتقوية إمبراطوريته، إلا أنه وبمجرد مرضه تصاعدت حدة المؤامرات والأطماع للاستيلاء على عرشه .لم يكن المتآمرون من خارج سلالته وعشيرته فقط، بل من أقربائه ونسله، في مقدمتهم ابنه محمد الشيخ المامون، الذي كان واليا على مدينة فاس، وجرّب الانقلاب على والده. إلا أن وفاة المنصور الذهبي المفاجئة شكلت إنذارا بانتهاء حكم السعديين، إذ لما كانت الدولة مرتبطة بشخص السلطان، كانت عواقب غيابه وخيمة .وما إن انتهى أهل فاس من دفن السلطان حتى سارعوا إلى مبايعة مولاي زيدان، الذي كان عاملا على إقليم تادلا، ومستخلفا من أبيه على فاس قبيل وفاته. لكن عندما علم أهل مراكش بما قام به الفاسيون، ثاروا وبادروا بدورهم لتولية أبا فارس ابن المنصور الآخر، الذي كان مستخلفا على مراكش .ومما أجج الصراع، بل والاقتتال، هو ما أفتى به علماء المدينتين بوجوب القتال بناء على حديث منسوب للنبي يقول: «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما» .فالتقى الجمعان في معركة أسفرت عن انهزام مولاي زيدان وفراره إلى تلمسان، في حين صعد المامون الذي ناب في المعركة عن أخيه أبا فارس، لكنه استبد بالأمر وأعلن نفسه سلطانا. وظل الاقتتال بين الأخوة الثلاثة قائما مدة طويلة، فعمت الاضطرابات أرجاء البلاد كلها. ثم زادت حدة الأوضاع سوءا عندما سلم المامون سنة 1610 مدينة العرائش للإسبان، المتربصين بالمغرب، طمعا في مساعدتهم له.
يونس مسعودي
تتمة المقال تجدونها في العدد 114 من مجلتكم «زمان»