ما تزال تختزن ذاكرة محمد العيساوي المسطاسي، وهو البالغ 97 سنة، الكثير من الأحداث والوقائع التي عرفها المغرب إبان الاستعمار وأثناء عهد الاستقلال. في هذا الحوار، يعود محمد العيساوي المسطاسي الوحيد من الأحياء الذين وقعوا على عريضة المطالبة في الاستقلال، يوم 11 يناير 1944، إلى الانتفاضات الأولى التي كان شاهدا عليها في ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي، وإلى الظروف التي سبقت تقديم العريضة، وإلى الخلافات التي وقعت بين رجال الحركة الوطنية قبل وبعد الاستقلال.
متى التحقتم بالعمل الوطني؟
بدأ وعيي السياسي يتشكل وأنا ما زلت طفلا، فبعد معركة أنوال في الريف، وفي عام 1924 على ما أذكر، كنت في المدرسة الناصرية، والتي كان من بين أساتذتها المختار السوسي وعلال الفاسي وإبراهيم الكتاني وآخرون. وأذكر أنه وقع اجتماع في بيت المختار السوسي، وخلص الاجتماع إلى تأسيس جمعيتين وطنية سياسية وأدبية، الأولى تزعمها الفاسي، والثانية ترأسها السوسي. كما أذكر أن تلاميذ من ثانوية مولاي إدريس بفاس لعبوا مسرحية لا أذكر شيئا عنها، ونتج عن هذه المسرحية أن اعتقل مدير الثانوية آنذاك محمد بن محمد غازي، وهو أخي من أمي، من طرف سلطات الحماية، ونقلته إلى مكناس. وبعد مدة، تم نفيه إلى الدار البيضاء، ولم نعد نعلم عنه شيئا، إلا بعد حوالي سنة حين أرسل إلى والدتنا يخبرها عن مكان إقامته. وفي دجنبر 1934، تقدم السوسي ورفاقه بما كانوا يسمونه «المطالب الوطنية».
هل هذه هي سنة التحاقكم بالعمل الوطني؟
لا.. أذكر أنه بعد عودتي من آسفي، كنت أدْرُس بالجامع الكبير في مكناس، وقبلها كنت أدرُس عند الفقيه بلبشير في سيدي مْغيتْ. وحتى لا أعود للدراسة عنده، وأتمكن من الدراسة في الجامع الكبير، فضلت أخذ العلم على يد الفقيه التجاني بن رحال في سيدي الحارثي بزنقة براكة في المدينة القديمة. كانت توجد قرب الجامع الكبير مكتبة في ملكية الفقيه محمد بن محمد الأجَني، كنا نقف فيها للإطلاع على محتوياتها. وذات يوم، دعاني الأجني إلى مكتبته لشرب الشاي معه، وبدأ يثني على محمد بن الحسن الوزاني. وكان ردي أن الوزاني لا يحتاج إلى كل هذا فهو معروف، لكن قصد الأجني من ذلك هو التمهيد للحديث عن قضية الانشقاق.
هل تقصدون الانشقاق الذي وقع داخل الكتلة عام 1937؟
نعم. سألت الفقيه الأجني عن الذين ناصروا الوزاني من أعضاء الجمعية الوطنية؟ فأجابني لا أحد. قلت له: «آ الفقيه اللي بعقلوا تَا يَتْبَعْ الناس، واللِّي حْمَقْ تا يَتْبَعْ الناس»! فنهرني قائلا: هذا ما لديك، فطلب مني مغادرة مكتبته وحتى الشاي لم أشربه معه (يضحك). مبدئيا كان الفقيه الأجني مشايعا للوزاني، وأرادني أن أتبع الطريق نفسه. كان هذا انشقاق الكتلة سنة 1937 (تأسيس الحزب الوطني من طرف علال الفاسي والحركة القومية من طرف الوزاني)، وإلى حدود تلك اللحظة لم أكن قد انخرطت بعد في العمل الوطني، لم تكن لي أية ميولات سياسية بعد.
حاوره الطيب بياض ومحمد ياسر الهلالي
تتمة الحوار تجدونها في العدد 27 من مجلتكم «زمان»