منذ القرون الأولى لانتشار الإسلام، وجد المغرب نفسه أمام قيام دول إسلامية تحتكم إلى مفهوم “الخلافة “وما يتصل بها من ألقاب: كأمير المؤمنين، الإمام.. إلخ .في هذا الحوار، يجيبنا المؤرخ محمد صدقي، المتخصص في هذه المرحلة، عن أسئلة تتعلق بمؤسسة الخلافة لدى تلك الدول التي ارتبط بها المغرب، ولماذا استقل عنها لاحقا. كما يوضح، بالتفصيل، الاختلافات المذهبية والعقدية التي أسهمت في رسم الخريطة السياسية للحكم بالمغرب؟
قبل أن نغوص معك في موضوع الخلافة بالمغرب، خلال القرون الأولى من وصول الإسلام إلى شمال إفريقيا. هل يمكن أن تفسر لنا ما هو مدلول الخلافة، هذا المفهوم الإشكالي، من خلال المصادر على أقدم رواتها؟
اعتبر الماوردي الخلافة رئاسة عامة في أمور الدين والدنيا، فهي من منظوره خلافة الرسول صلى لله عليه وسلم في إقامة الدين وحفظ الملة، وسار على النهج نفسه ابن خلدون في “المقدمة“ حين جعل الخلافة حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الدنيوية والأخروية، فهي من زاوية ابن خلدون، دائما، خلافة صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا.
ومهما يكن أمر هذه التعريفات، فالأكيد أن مسألة الخلافة برزت على السطح بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فقد شعر المسلمون بفراغ كبير بعد الفراق الأليم، وبالتالي ظهرت على الواجهة أمور جديدة تتمثل فيمن سيخلفه في تدبير أمور المسلمين ما دام الأمر شورى بينهم. ضمن هذا الوضع، كان من الطبيعي أن يطمح في الوصول إلى هذا المقام المحفوف بمخاطر شتى من أهل الدراية والكفاءة والمشهود لهم بالتقوى وحسن التدبير، وأن تحاول كل جماعة أن ترشح من تراه أهلا لها.
يتضح من خلال قضية الخلافة وانتقالها خلال عصر الخلفاء الراشدين العناصر الآتية: أن الوازع الديني كان المحدد الرئيس والعامل الأقوى في هذا التحول، فلما حضر الموت للرسول صلى لله عليه وسلم استخلفه أبو بكر على الصلاة؛ إذ هي أهم أركان الدين فارتضاه الناس للخلافة، وهي حمل الكافة على أحكام الشريعة كما ذهب إلى ذلك ابن خلدون، حدث هذا دون ذكر أي شيء عن الملك والسلطة.
نلاحظ في اختيار عمر بن الخطاب أمرين اثنين، علق أبو بكر الصديق خلافة عمر برضى الناس، ثم أن أبا بكر لم يضع أي أحد من عائلته، وبالتالي كانت بيعة عمر أقرب إلى ولاية العهد أو التعيين، أما بيعة عثمان فهي أقرب إلى الشورى من بيعة عمر بتعدد المرشحين فيها للخلافة.
هذا في ما يخص الخلفاء الراشدين، لكن ما الذي تغير بخصوص ألقاب الخليفة وأمير المؤمنين خلال اعتلاء الأمويين والعباسيين الحكم؟
لما وصل الأمويون إلى سدة الحكم، بدأت الهوة تتسع بين الحاكمين والمحكومين حين سيطر حكام الدولة على الأراضي التي فتحت عنوة في بلاد الشام والعراق وفارس، أو ما كان يعرف بالصوافي. وهي من الأسباب الحقيقية التي دفعت سكان هذه المناطق إلى إعلان الثورة على أهل الجور من منظور الخوارج والشيعة الذين تزعموا الثورات.
دُعِيَ حكام الدولتين الأموية العباسية، على المنابر والرسائل وسك النقود وغيرها، بالخلفاء وأمراء المؤمنين. ثم أردفت إليها ألقاب أخرى في عصر العباسيين حتى يتميز بعضهم عن البعض الآخر لما في أمير المؤمنين من الاشتراك بينهم، فاستحدثوا، كما قال ابن خلدون، «حجابا لأسمائهم الأعلام عن امتهانها في ألسنة السواقة وصونا لها عن الابتذال»، فتلقبوا بالسفاح، والمتصور، والمهدي، والهادي والرشيد.
حاوره غسان الكشوري
تتمة الحوار تجدونها في العدد 114 من مجلتكم «زمان»